۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - حوار المَنافي
الموضوع: حوار المَنافي
عرض مشاركة واحدة
قديم 26-01-2021, 10:27 PM رقم المشاركة : 104
معلومات العضو
ياسر أبو سويلم الحرزني
عضو أكاديمية الفينيق
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
الأردن

الصورة الرمزية ياسر أبو سويلم الحرزني

افتراضي رد: حوار المَنافي



أذاهبٌ!
غيابك القليلُ لا يفي
سأترككْ..
ْسأتركُ الزجاجَ والغيومَ والرصيفْ
وأنتفي
أنا التي سأختفي
وقد يجوزُ لارتعاشها يديكَ أن تجيءْ
وقد تصير غابةً يلفُّها دخانُكَ الكثيفْ
دخانكَ ال يلفلفُ الجذوع َ يرتفعْ
وتدخل العيون ُ في ضبابه ِ تضيء
وتدخلُ البروقُ يلتمعْ ْ
دخانك البطيءْ
ووحدها يداي لن تجيءْ


(6)
قراءة المقطع الخامس)
..................................

بسم الله

أذاهب !
غيابك القليل لا يفي (وعلامة تعجّب تحيّة من القراءة)
سأتركك (نقطتان)
والنقطتان قد تعنيان الحركيّة في استمرار الشاعرة بفعل ما ألزمت نفسها به بسين التسويف الّتي سبقت "أتركك" ، ولكنّهما تعنيان على وجه التأكيد والجزم أنّها في كلّ خطوة كانت تلتفت وراءها لترى وقع كلامها وذهابها على صاحب المعنى
وما أجمل ما أوحى به هذا الكلام !
وما أوحى لي إلا بأمّ برمت من شقاوة طفلها ومشاغبته ، فهددته بتركه والذهاب عنه ، واختبأت خلف الباب تتنصّت عليه وتراقب ردّة فعله (وهذه مجرّد صورة متخيّلة للمقاربة ولا علاقة لها بمعنى الشاعرة الحقيقي)
لن تتركيه يا شاعرة
والكلام الّذي قمت بتوزيعه على ثلاثة سطور لن أقرأه إلا بنفس واحد وبسطر واحد حتّى لو قمت بتوزيعه على سبعة سطور ، هكذا :
"أذاهبٌ
غيابك
القليلُ
لا
يفي
سأترككْ
.."

(أمّا النقطتان ففي سطر واحد لأنّ "الترك" لا يكون إلا بمسير أفقيّ هكذا ..)
حتّى لو كانت ألف كلمة فإنّها يجب ألا تقرأ إلا بسرعة وبنفس واحد وبسطر واحد
أي كأنّنا نقرأ سطراً من حرفين
ولكن "ساتركك" الّتي ارادت الشاعرة أن توصلنا لها بسرعة فيجب أن تقرأ بتمهلّ شديد مثلما لو كنّا نقرأ عشرين سطراً
أي كأنّنا نقرأ حرفاً من سطرين
لا أدري إن كانت الشاعرة قد أفلحت مع صاحب المعنى بما قالت ، ولكنّها لم تفلح (وهي وجه فلاح) مع قراءتي الّتي أوجعها سؤالها التعجّبي "أذاهبّ" وتبرير عدم عدالة ذهابه بـ"غيابك القليل لا يفي" ، وبدون إعطاء كليمها أي فرصة للردّ أردفت بقرارها "سأتركك"
لا ادري لماذا تخيلت أنّها قالت ما قالت وهي مغمضة العينين ، كأنّها لا تريد لأي مؤثّر خارجي يمنعها من الوصول إلى "ساتركك"
(حلو؟ ، يحلّي أيامكم)
سأتركُ الزجاجَ والغيومَ والرصيفْ
والحمام وطعم صوته والمقصف والقهوة والطاولة وحديقة الغياب
ومالك الحزين ، وأكثر من نصف القصيدة
نعم سنبدأ بالنصف الثاني (أو الثالث !) من القصيدة
نعم
فالقصيدة الرائعة نصفاها أكثر من نصفين
(لا عليكم فهذي قسمة الشعر ، وقسمة الشعر عادلة رابحة)
وأنتفي
أنا التي سأختفي

في القصيدة يا شاعرة ، في القصيدة فقط
وليس أبعد من "خلف الباب " يا أمّ ذاك الصبي"
أمّا صاحب المعنى فليس هنا ولا يقرأ هذو قراءتي
فمن المفيد إذن أن تكون القراءة محايدة وتحتفظ بحكمها على نوايا أهل القصيدة لنفسها
وعليه دعوني اتحفظ قليلاً على صورة أمّ الصّبي الّتي هذت بها قراءتي

إذن لدينا الآن ثلاثة قرارات في هذا المقطع : الترك ، النفي ، الإختفاء
وقد يجوزُ لارتعاشها يديكَ أن تجيءْ
يداه الّلتان اشرفتا على جذوع نار
يداه اللتان لم تعرف الشاعرة ما الذي يعوزها لكي تحن
يداه اللتان لم تعرف الشاعرة ما الذي إن انتشى بلمسها البعيد يرتجف
يداه اللتان أرادتهما الشاعرة أن تجفّا في حديقة الغياب
(يبدو أنّنا تجاوزنا تخوم نصف القصيدة الثاني وبدأنا في المسير في نصفها الثالث)
والشاعرة ما زالت تقرأ حرفاً من سطرين
وقد تصير غابةً يلفُّها دخانُكَ الكثيفْ
تصير غابة ؟
يداه ؟!
كيف ؟
ودخان كثيف ؟
من أين ؟
"كيف ، ومن أين" استحضرتا لذهني صاحبيّ السجن ، وعلى يوسف السلام
ولا اعلم أنّ هناك أيّ رابط بينهما ، الّلهم إلا من جهة سهولة التاويل
لا ليس سهولة التاويل ، بل من جهة تذكّر ما أوردته القصيدة في نصفها الأوّل
يداه تصير غابة ، كيف ؟
هكذا لأنّهما شابهتا الغصون الّتي تجفّ في حديقة الغياب
والدخان الكثيف ، من أين ؟
ألا تذكرون حين أولمت الشاعرة ليديه وأعدّت لهما مأدبة من حريق ضلوعها الّتي اتّكأت عليها يدا صاحب المعنى
(شكراً لأنّكم ما زلتم تتذكرون ههه)
دخانكَ ال يلفلفُ الجذوع َ يرتفعْ
وتدخل العيون ُ في ضبابه ِ تضيء
وتدخلُ البروقُ يلتمعْ ْ
دخانك البطيءْ
ووحدها يداي لن تجيءْ

ولكن يبدو أن يدي صاحب المعنى أتّكأتا على الضلوع المشتعلة أكثر مما يجب وأكثر من حاجة بردها ، فوقعت حادثة الدخان الّذي بدأ في الإرتفاع
ولكن حركة ارتفاعه تمهّد لمشهد شعري قوامه الحركيّة في الأفعال
يرتفع
تضيء
يلتمع
يرتفع الدخان
وتضيء العيون نتيجة دخولها في ضبابه
ويلتمع (دخانه البطيء) بفعل دخول البروق
وتختم أمّ الصّبي هذا المشهد الحركي الرائع بصوت خافت يأتي من تلقائها وهي منفيّة ومختفية وراء الباب ، ولا يمكن قراءته إلا بمنطق الحديث الّذي يقال دائماً بمنطق خطاب موجّه للصغار :
ووحدها يداي لن تجيء
تمام ؟
(لا والله مش تمام)
لأنّ "لن" هذه أربكت القراءة
ولكنّي عزمت على القراءة أن تقرأ بحسن نيّة ، وألا تقفو ما ليس لها به علم
إذن
سيجيء كلّ شيء ما عدا يديها
ولكن لماذا خاطبت صاحب المعنى بصيغة التهديد الجميل وقالت له (وهنا دعونا نستحضر السطور الأولى والّتي قلنا عنها بأنّها سطراً من حرفين) ، قالت لصاحب المعنى :
حسناً أتريد الذهاب ، وغيابك القليل ألم يف ، ساتركك ، وأنتفي وأختفي
لا بأس إذن
فسيأتي ويجيء كلّ شيء إلا يديّ
الشاعرة بهذا تريد أن ترسّخ في وعي القراءة ما تشكّلها يداها من ضرورة وأهمية لديه
مهلاً
دعونا ننسخ المقطع من جديد هنا :
أذاهبٌ!
غيابك القليلُ لا يفي
سأترككْ..
ْسأتركُ الزجاجَ والغيومَ والرصيفْ
وأنتفي
أنا التي سأختفي
وقد يجوزُ لارتعاشها يديكَ أن تجيءْ
وقد تصير غابةً يلفُّها دخانُكَ الكثيفْ
دخانكَ ال يلفلفُ الجذوع َ يرتفعْ
وتدخل العيون ُ في ضبابه ِ تضيء
وتدخلُ البروقُ يلتمعْ ْ
دخانك البطيءْ
ووحدها يداي لن تجيءْ


ما رأيكم بما لوّنته بالأحمر ، هل يشير إلى اهميّة يديها بالنسبة له ، كي تقول له وحدها يداي لن تجيء ؟
الإجابة لديكم
.
ولكن بعيداً عن هذا
ما رأيكم في :
وتدخل العيون في ضبابه تضيء
أليس سطراً مدهشاً وقال الكثير الكثير ؟!
تذكّرت أنوار السيّارة الّتي حين تعبر في الضباب يقوم صاحبها بإنارة المصابيح كي يتمكّن من الرؤية
صورة رائعة



بوركت الروح الشاعرة


تنويه : أرجو ألا يعلق مصطلح "أم الصّبي" في ذهن القراءة طويلاً ، فهو خاص فقط بالسطور الّتي حاولت القراءة مقاربتها ، وليس له علاقة بتاويل او تخمين شخصيّة أو كينونة صاحب المعنى.



وأرجو المعذرة لتأخّري في مواصلة القراءة بسبب انشغالي
وقد استغرقني وقتاً كي أضع نفسي في نطاق تردّدها للإمساك بخيط دخانها مجدّداً






  رد مع اقتباس
/