تفرُّد لغة الألم في قصيدة (مواجع) / محمد الحراكي - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)       :: رسالة إلى جيش العدوّ المقهور (آخر رد :نفيسة التريكي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 18-02-2023, 04:20 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي تفرُّد لغة الألم في قصيدة (مواجع) / محمد الحراكي

تفرُّد لغة الألم في قصيدة (مواجع)
للشاعر: زياد السعودي
بقلم: محمد الحراكي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص:
عَلى أيِّ أطْلالٍ أبُثُّ مَواجِعي
وَفي كُلِّ طَلٍّ خَفْقَةٌ مِنْ أضالِعي
وَخَلْفَ عُجاج البَينِ أرْهَقْتُ خَطْوَتي
أنادي عَلى مَنْ كانَ في الصَّمْتِ سامِعي
يُطارِحُني رَجْعُ الحَنينِ فأكْتَوي
حسيرٌ وَتَحْناني يَأُرُّ فَجائِعي
وَها أنا ذا لَيْلٌ يَطولُ تسهُّدًا
أَئِنُّ فَمَنْ أهْواهُ عافَ مَرابِعي
وَعَرّافَتي وَلّتْ وَزَمَّتْ حِجارَها
تَأفّفَ فِنْجاني وَضاقَ بِطالِعي
عَلى أيِّ جَنْبٍ يا بَقايايَ أرْتَمي
شَقيًّ ومِنْ طيني تَفِرُّ مَضاجِعي
تداعى زَماني كَيْ يُجَمِّرَ لَوْعَتي
ولُظَّ مَكاني مِنْ سَعيرِ مَدامِعي
وَكَمْ مَوْضِعٍ أرْسَلْتُ فيهِ شِكايَتي
فبُحَّ نُواحي بينَ تِلْكَ المَواضِعِ
طَريدٌ وَذا شِعْري بِحِبْرِ تأوُّهي
أليمٌ كَما شَهْقٍ بصدْرِ مُنازِعِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
زياد السعودي شاعر قدير قادر على تطويع اللغة لتؤدي الفكرة التي تراوده دون شديد عناء، أو كبير مشقة، ومن يقرأ نتاجه الشعري لا يجد صعوبة في تلمس ذلك والإيمان به إيماناً مطلقًا.
في قصيدته (مواجع) يلج الشاعر عالم القصيدة، لا لينصاع إلى معطياتها بل ليؤكد فروسيته وأسبقيته، وهو يتناول موضوعًا تقليديًا في ظاهره، ونقول في ظاهره لأن الشاعر استطاع بعبقرية متفردة أن يتناوله بنَفَسٍ مختلف، فأبقى على عمومية الفكرة وأبدع في تشكيل تفاصيلها وجزئياتها.
القصيدة تحمل شكوى الشاعر من البين والفراق، وتضج في جنباتها مشاعر الحزن والألم، ولوعة الفقد والحرمان، فإذا بها لوحة متفردة في القدرة على نقل إحساس الشاعر إلى قارئه.
وجد الشاعر العربي قديمًا في الوقوف على الأطلال عزاء له بعد فقد أحبته، فالأطلال واحة الماضي ومسرح الذكريات، فإذا ما قلَّب الشاعر فيها بصره، واستحضر ما مضى، وأنشد شعرًا كان ذلك مدعاة إلى هدأة القلب وسكينة النفس.
لكن الشاعر زياد السعودي، يتجاوز هذا التقليد الشعري في مطلع قصيدته، فيقول:
عَلى أيِّ أطْلالٍ أبُثُّ مَواجِعي
وَفي كُلِّ طَلٍّ خَفْقَةٌ مِنْ أضالِعي
ليست الأطلال ههنا مدعاة إلى السكينة ولا طريقًا إلى تهدئة النار وتخفيف المواجع، ذلك أن المكان عنده لا يمثل جزءًا من أيامه الخالية، وإنما فيه بعضٌ منه، وقطعة من جسده الممزق الذي تناثر بعد غياب الأحبة.
ومن حالة السكون التي تمثلها الأطلال ينتقل الشاعر إلى الحالة الحركية، حركة الغبار الكثيف الذي شكل عجاجًا، وكذلك حركة خطواته التي أُرهقت وهي تحاول اللحاق بمن فارقوه، فمنح الصورة حياةً، وصور الأسى تصويرًا مدهشًا، ثم يأتي العنصر الصوتي الذي تمثل في نداء الشاعر على أحبته فلم يسمعوه، وهم الذين كانوا يسمعونه حتى في لحظات صمته، يقول:
وَخَلْفَ عُجاج البَينِ أرْهَقْتُ خَطْوَتي
أنادي عَلى مَنْ كانَ في الصَّمْتِ سامِعي
ويعود الشاعر ليكتوي بنار الحنين والشوق، وتتقد في نفسه نار الفجيعة بالفقد، فيغدو السهد ضيفًا ثقيلًا لا يفارقه ولا يتركه ليغفو فيرتاح من وطأة الحزن على الأحبة الذين غادروا المكان مخلفين في قلب الشاعر ألمًا لا يطاق، وأنينًا لا يهدأ. يقول:
يُطارِحُني رَجْعُ الحَنينِ فأكْتَوي
حسيرٌ وَتَحْناني يَأُرُّ فَجائِعي
وَها أنا ذا لَيْلٌ يَطولُ تسهُّدًا
أَئِنُّ فَمَنْ أهْواهُ عافَ مَرابِعي
والفجيعة التي يصورها الشاعر تزداد شدة وقساوة حين لا يترك لنفسه بارقة أمل في الخروج من دائرة الحزن واللوعة، ولا يرى في ما هو آتٍ ما يبشر بذلك فيخفف عنه وطأة الحاضر وثقل الهموم، فالعرَّافة التي ترمي بأحجارها لتنجم، أو تقرأ الفنجان لتبصّر، باحثة عن بارقة أمل في مستقبل الشاعر، رمت بكل شيء ومضت لما أبصرت كل الطرق لا تؤدي إلى ما يزيل هذه الغمة عن قلب الشاعر.
وَعَرّافَتي وَلّتْ وَزَمَّتْ حِجارَها
تَأفّفَ فِنْجاني وَضاقَ بِطالِعي
ويعود الشاعر ليسأل نفسه المنهكة المتعبة:
عَلى أيِّ جَنْبٍ يا بَقايايَ أرْتَمي
شَقيًّ ومِنْ طيني تَفِرُّ مَضاجِعي
وفي هذا انكفاء إلى الذات، وعالمها الداخلي، ففي بداية القصيدة كان سؤاله:
عَلى أيِّ أطْلالٍ أبُثُّ مَواجِعي
لكنه – وقد فهم عبثية السؤال – يعود إلى ذاته التي تعيش الألم، وتحس فاجعة الفقد، متسائلًا كيف باستطاعته النوم، وعلى أي جنب يغفو، وهو يعيش شقاء ما بعده شقاء، حتى كأن النوم ومكانه يفران من يده، فيغدو السؤال:
عَلى أيِّ جَنْبٍ يا بَقايايَ أرْتَمي
وإذا ما عرفنا أن كل حدثٍ في الحياة مرهون بإطاريه: الزماني والمكاني، تفهمنا استدعاء الشاعر لهذين العنصرين للتعبير عن معاناته، وللقارئ أن يتصور حال الشاعر إذا ما تحول الزمان إلى موقد للجمر، بل للجمر ذاته، وضاق المكان بنار دموعه فتمنى لو يجد منها مهربًا. يقول:
تداعى زَماني كَيْ يُجَمِّرَ لَوْعَتي
ولُظَّ مَكاني مِنْ سَعيرِ مَدامِعي
وبعدما أنكر الشاعر على الأطلال ظنها بكونها المكان الذي يبث فيه السكينة، ثم لم يجد في نفسه المفعمة بالحزن ما يواسي قلبه المحترق، ثم لم يجد في الزمان والمكان ضالته المنشودة في السكينة، عاد ليؤكد ما قاله في بدء القصيدة من أن الأمكنة كلها غير قادرة على فهم شكواه، وكيف لها أن تفهم وقد ملأ أسماعها صوت بكاء الشاعر على مفارقيه:
وَكَمْ مَوْضِعٍ أرْسَلْتُ فيهِ شِكايَتي
فبُحَّ نُواحي بينَ تِلْكَ المَواضِعِ
ويختم الشاعر قصيدته، بتصوير حاله بالطريد، وربما هو طريد ذكرياته وآلامه التي ما التجأ إلى مكان إلا ووجدها تسير في أثره، فلم يجد إلا الشعر حتى يبث من خلاله تأوهات حزنه، ويصور خلاصة حاله بقوله (أليمٌ) وفيها ما فيها من اختزان الوجع الذي لا يحتمل، إلى درجة أن الشهيق صار كأنه سكرة من سكرات الموت. يقول:
طَريدٌ وَذا شِعْري بِحِبْرِ تأوُّهي
أليمٌ كَما شَهْقٍ بصدْرِ مُنازِعِ
مما يلفت النظر على مستوى البناء اللغوي في هذه القصيدة تلك المفردات الدالة على حجم الألم الذي تختزنه روح الشاعر، والذي يعكس معاناته بسبب فراقه أحبته، ومنها:
مَواجِعي، أرْهَقْتُ، فأكْتَوي، حسيرٌ، تسهُّدًا، ضاقَ، لَوْعَتي، مَدامِعي، شِكايَتي، تأوُّهي، أليمٌ، مُنازِعِ
وهذه الألفاظ على ما هي عليه ألفاظ تدل على الوجع الكبير، فكيف إذا استخدم الشاعر الألفاظ الدالة على ألمه الشاعر بوصفها جزءًا من تركيب لغوي، فاعتمد أحيانًا تركيب الإضافة؛ ليجعل العلاقة بين اسمين متلازمين أسلوبًا لتعظيم الألم والإحساس به:
عُجاج البَينِ، رَجْعُ الحَنينِ ، سَعيرِ مَدامِعي، بِحِبْرِ تأوُّهي، صدْرِ مُنازِعِ
واختار الشاعر لقصيدته البحر الطويل، وهو بحر يسمح للشاعر المتعب أن يعبر عن طول أيامه وقسوة لياليه وقد خيم الحزن على حياته، ويسمح له أن يطلق زفرات الألم كما لو أنها تنهيدات مفجوع بفقد من يراهم نبض حياته.
أضف إلى ذلك اعتماده حرف العين رويًّا، وهو أعمق الحروف من الحلق نطقًا، وكأنما أراد الشاعر أن يكون الروي تصويراً لما تحسه نفسه من عمق الألم، حتى ليكاد الروي ينتزع من أعماقه انتزاعًا.
قصيدة (مواجع) للشاعر (زياد السعودي) تعبير فريد عن حالة الفقد وشدة إيلامه، عبر لغة قوية رزينة متماسكة قل نظيرها.


محمد الحراكي






  رد مع اقتباس
/
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:22 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط