لِنَعْكِسَ بّياضَنا | |
« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر » |
|
⊱ مَطْويّات⊰ للنصوص اللاتفاعلية .. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
15-06-2012, 02:13 PM | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
حكايا الدخان المنسية
مراكش مدينة الحالمين اليقظين حيث لاينام الأنام ، مدينة تختزل التاريخ في يوم والجدران ملاحم ناطقة ، ومآذن سرعان مايتيه صوتها في زحمة الدراجات ، والسيارات المتسارعة هنا وهناك ، في هذه الزحمة يضيع الأنين كذلك ، أنين الأزقة الضيقة التي تبدو كجزر خارج التاريخ ، يتحصن الناس وراء متاريس كبريائهم لئلا يقولوا حقيقة اجسادهم المنهكة بتعب السؤال ، كانت جدران السجن بصمتها المطبق وعيونها الجاحظة فرصة لأسمع هذا الأنين من خلال صوت مروان ابن السادسة عشرة وهو يلملم شتات الذكريات التي ظن أنه تخلص منها للأبد ، كان يرمقني تارة وتارة أخرى كان يتتبع خيط سيجارته عله يرتق ما تبقى من ذاكرته المستعصية ، وليجمع به ما تبقى من شجاعة الحكي عن أحداث استخرجناها بصعوبة لإعادة التشريح .
كانت المدرسة فضاءه المفضل ، فهي وعاء الاحلام وخارطة الطريق للمستقبل ، وهو يرمق الطائرات المنطلقة من مطار مراكش المنارة ، يحلق بأحلامه إلى الفضاء الفسيح ليحمل معه أسرته الفقيرة التي لاتجد ماتسد به رمق يومها ، كانت أمه يامنة متله الأعلى فقد علمته معاني الصبر والجلد وكانت مزوده بالحنان وطاقة الامل كلما ذكر إسمها كانت العبرات لاتغادر عينيه وهي التي مازالت تحمل القفة من مراكش الى سطات وهي تغتصب ابتسامة ذابلة لتخفي تعب السفر وقسوة السنين . استجمع قواه ليقول لي " لم أجالس والدي يوما كان دائم السفر وقليل الكلام كان منشغلا عنا بأصدقائه الكثر ، حياته كلها أسرار حتى أننا لم نكن نحس اتجاهه بعاطفة الأبوة ، فهو لم يكن يفهم أن حنانه وعطفه علينا هو كذلك عبادة لاتقل اهمية عن انشغالاته وهمه فيما كان يسميه تقويم الضلالات " كانت أمي تحاول جاهدة أن تعوضنا هدا النقص وهي تعود في المساء منهكة حاملة معها فتاتا من موائد الميسورين الذين تشتغل عندهم . كان وضع أمي حافزا لي على الدراسة حتى أحسن من وضع اسرتي ، كانت أحلامي كبيرة وقد رف قلبي لأول مرة لابنة الجيران "هند" كان حبا عذريا تشعل شرارته أغاني الشاب حسني ومامي ، كنا نلتقي والخجل يملأ محيانا نحلم ببيت ونسمي أبناءنا وبناتنا المفترضين وكيف سنربيهم ونسعى لئلا يعيشوا في المدينة المنسية ، كنا نتحدث عن تصاميم بيتنا الفاره في رياض أكدال ، بعيدا عن رائحة الفقر والجوع . وبعد أن نحلم تلسعنا عقارب الساعة لتعود مسرعة لبيتها خوف العقاب . وأعود لأحلامي وأنا أرمي الحائط الهرم بماتبقى من عظام زيتون أسود والذي كان كرها عشائي المفضل . كل شيء تغير بعد 16 ماي ، هذا الجسد الذي أصلبه كل يوم بسياط الدخان لم أعد بحاجة إليه ، خانني المكان والزمان ، في صبيحة احد الأيام فوجئنا بالمخابرات وقوات الامن تقتحم منزلنا وتعتقل والدي وهو بملابس النوم ، كان الحي مزدحما بالفضوليين وقناصي الأخبار وكان الذهول يملأنا ، ماذا هناك أيعقل أن يكون أبي مجرما ؟ لايمكن أن أصدق هذا ، كانت أمي تصيح وتولول وكان أبي صامتا لم يبد أية مقاومة ، كان المشهد سرياليا بالنسبة لي كنت أوهم نفسي بأنه كابوس سرعان ماستكذبه اليقظة . سارعنا لمركز الشرطة علنا نجد أجوبة لأسئلتنا التائهة والتي لم تجد غير الصمت، عدنا معها بخفي حنين ، بعدها بأشهر حكم على والدي ب 20 سنة سجنا نافذا بتهمة الإرهاب ، كانت صدمة لا أستطيع لحد الآن لملمة أشلاء روحي وقلبي . بخطوات حائرة مشى نحو أحد أصدقائه ليأخذ سيجارة يمد بدخانها حبالا مع الذاكرة وعاد ليحكي ، أتدري ماذا سماني أهل الحي إبن " الارهابي " قاطعنا الجيران واضحت هند تختلق الاعذار لئلا نلتقي ، وجدتني وأسرتي نسارع من أجل نزع الإعتراف هجرنا الجميع حتى الأقارب مخافة أن تجرهم صلة الأرحام إلى أسئلة هم في غنى عنها ، كانوا يوصون أبنائهم بألا يتصلوا بي مخافة أن يفقدوا وظائفهم ، خاصة بعد أن غادرت المدرسة ، كنت مستعدا لأفعل أي شيء لأهين نفسي ، فكرت كثيرا في السفر خارج المدينة ولم لا خارج البلاد فقد ضاقت علي الأرض بما رحبت . هذا الجسد أصبح مختبرا لأي شيء ضاعت القيم بالنسبة لي، كنت أبحث عن النسيان في كل شيء ، وكنت أنتقي من الناس من يكون بارعا في أن يهبك النسيان الطويل الأمد ، هنا التقيت ابراهيم لاأتذكر كيف ، فقد كنت فاقد الوعي ، بعد أن بلعت بعد أقراص " القرقوبي " سرقتها من أحد "عقلاء الحي " علمني ابراهيم فن السيجارة وكيفية حشوها بالمخيلات كنا نجلس في ساحة جامع الفناء لنتأمل القردة وهي تتأهب بإيعاز من أصحابها لتنصب للمارة كمائن لآداء ماتيسر من نقود كنا ننافسها وهي تنظر إلينا ممتعضة ، كنا نعاكس السياح بانجليزيتنا الركيكة ، وفي منتصف الليل نجلس قرب ضريح "يوسف بن تاشفين " نحصي مداخيل اليوم ونحن نحلم بالقوارب المتآكلة التي ستحملنا للأندلس . ذات ليلة قال لي ابراهيم مارأيك في ضربة العمر " ربحة ولادبحة " فهو يعرف أحد السياح الذي كان يشتغل عنده احيانا ، كان رجلا عجوزا ، كنا نخطط لسرقته والسفر إلى طنجة في انتظار من سيرحلنا للفردوس المفقود ، كنا نضحك لأن الأمر كان يبدو لنا سهلا . في الليلة الموالية استقبلنا العجوز الفرنسي وكان اسمه " إريك " بحفاوة بالغة قدمني ابراهيم على أساس أنني ابن عمه وأنني أبحث عن عمل ، أخذنا نتبادل أطراف الحديث إلى أن دارت الخمرة برؤوسنا ، أخذ ابراهيم يفتش في أرجاء المنزل عما يمكن سرقته مما أثار انتباه الرجل الذي أخذ يسأله عن سبب حركاته المريبة ، استشاط ابراهيم غضبا حمل زجاجة فارغة وضربه ضربة أفقدته وعيه أخذت اصيح لأمنعه من مواصلة فعلته ، كنت جد مرتبك فأنا لم أتعود على حادث مثل هذا ، ضربت ابراهيم لامنعه من مواصلة جريمته أخذنا نتعارك حيث لم تسنح لنا فرصة الهروب إذ سرعان ماأمسك بنا الجيران و ............. هنا استرق من الزمان غفوة طويلة أغمض عينيه وكأنه يسترجع شريط الذكريات وقال لي بصوت متقطع : أتذري نحن المنسيون أسماؤنا ارقام ، نحن الحكايا المنسية لاتذكر إسمي ولا إسم والدي وانشر القصة ، سمني مروان ، اسم جميل كنت أعبر به لهنيهة من الأزقة إلى أحياء جليز الراقية ، كنا نقفز من طبقة الى طبقة ألف مرة في اليوم كنا نأكل الكافيار والمشوي بين ثنايا سجائرنا ، كان يضحك هازئا وهو يتعثر بين رجلي حارس فقد صبره
|
||||
15-06-2012, 04:09 PM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
شهادة للتاريخ..
شكرا لادب يدون.. لكن..ما هنا بيئتها الطبعيه.. تقديري أخي وابن بلدي:عبدالإله.. سعيد بمصافحة جميل سردك.. |
|||
15-06-2012, 04:57 PM | رقم المشاركة : 3 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
لله درك اخي عبد الإله
تكتب بحرف يثير فينا شهوة الكتابة وتحية لمدينة الجدود والاصل مراكش الوريدة / شكرا اخي نحتك رائع واللوحة اجمل ما صادفني في القص هذا المساء واشير ايضا الى ان مكانها المدينة الحالمة حيث النفس طويل تقديري وبلا ضفاف زهراء
|
||||
15-06-2012, 05:36 PM | رقم المشاركة : 4 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
المبدع العزيز عبد الإله مرحبا بك أولا أنقل هذا النص إلى المدينة الحالمة للتخصص. |
||||
15-06-2012, 06:00 PM | رقم المشاركة : 5 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
المبدع العزيز عبد الإله، نقلت لنا ببراعة وتشويق الأجواء التي كانت بمراكش بحنين كبير، تلك الأجواء التي كانت جميلة وممتعة، وبجمال وسلاسة في السرد قارنت بين تلك الأيام وبين الحاضر بوجع وأسف شديد وبعبر تستوقف فرحت أنني تعرفت على مبدع مثلك مرحبا أخي، وأرجو أن نراك مرة أخرى في المدينة الحالمة ألف شكر أختك روضة |
||||
21-06-2012, 02:19 PM | رقم المشاركة : 6 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
أخي عبد الرشيد غربال ، جد فرح بمصافحتك الأولى لمتصفحي خاصة وأنها أول تجربة لي في مجال القصة القصيرة ، ياسمين لروحك العذبة .
|
||||
17-08-2012, 03:41 AM | رقم المشاركة : 7 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
القديرة فاطمة الزهراء ، أشكرك على اهتمامك الدائم بإبداعاتي وهذا وسام على صدر ي ، تحية تقدير وياسمين لروحك العذبة
|
||||
17-08-2012, 03:43 AM | رقم المشاركة : 8 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
القديرة روضة ماالجمال إلا تواجدك بمتصفحي ، تحية تقدير لاهتمامك بابداعاتي ، وتحليق يمتد .
|
||||
17-08-2012, 03:49 AM | رقم المشاركة : 9 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
أحبّ لغتك المكتنزة بريقاً في الألفاظ ورصانة في المعنى
نص زاخر بالصور اللفظيّة وقفتُ مذهولاً أمامها محبتي واحترامي وتقدير
|
||||
28-08-2012, 03:01 PM | رقم المشاركة : 10 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
القدير رمزت ماالجمال إلا حضورك وتواجدك بمنصفحي ، ياسمين لروحك العذبة وود يمتد .
|
||||
28-08-2012, 03:32 PM | رقم المشاركة : 11 | |||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
عبد الإله الشاهد
نصك أثارني وجعلني أحلق في سماء اللغة والسرد المتقن حد الألم الذي يسكننا البراءة والفقد والحرمان وكل تلك الأشياء التي تذوقها صاحبنا ما هي إلاّ دلالة على خيبة الأمل التي وصل لها .. أقف وأصفق بحرارة لكل حرف نقش هنا مودة بحجم السماء |
|||
22-10-2012, 11:33 PM | رقم المشاركة : 12 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
القديرة نادية الزوين لك مني كل المحبة والتقدير واشكرك جدا جدا
لمرورك بهجة كبيرة ولك باقة من التقدير والاعتزاز
|
||||
29-07-2013, 02:27 AM | رقم المشاركة : 13 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
اعادة تدوير
لزيادة مساحة المشاركة بين الكاتب والمتلقي لمقام ذائقتكم
|
||||
17-08-2017, 03:27 PM | رقم المشاركة : 14 | |||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
نص يستحق الوقوف عنده
والنهل من ينابيع جماله كل الود |
|||
29-12-2017, 06:22 PM | رقم المشاركة : 15 | ||||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
لأضواء محتملة نعيد النص الى واجهة القراءة
مع تحيتي لابن البلد السي عبد الاله
|
||||
29-12-2017, 11:42 PM | رقم المشاركة : 16 | |||
|
رد: حكايا الدخان المنسية
قصة جميلة جداً استمتعت بالقراءة
أعجبني أسلوب السرد والتنقل المريح في زوايا القصة إتقان وتصوير رائع دمت ودام الإبداع والتألق تحياتي |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|