إشـــراق (رواية ) /4 - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▂ ⟰ ▆ ⟰ الديــــــوان ⟰ ▆ ⟰ ▂ > ⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰

⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-07-2011, 04:44 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي إشـــراق (رواية ) /4

ما قبل فجر وليد
"ستقف أمام الموت ....فلا يريعك"






  رد مع اقتباس
/
قديم 24-07-2011, 04:46 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

(1)

لم تبدو الشمس واجدة ؟!

تلملم أشعتها السنية محتجبة عن الأفق برداء من الغمام الأغبن؟
ولماذا تغمغم الرياح بصفير حزين؟ وكأنها ثكلى ..ترثي ماض جميل؟ ولماذا يخطو الزمن بسأم..كشيخ يسري في سمت ضرير زهد الحياة ..فمضى يعد لنفسه جدثا في مفاوز القنوط؟
أين ارتحل الرضا؟ وكيف احتجب الدعاء؟
أين تلك النجاوى العذبة في السحر؟ أين تلك الأهداب المختضلة بتراتيل الصلاة..لم فارق الناس التهجد؟ واستغرقوا في سبات مديد؟
فلتحتجب الشمس إذا..ولتبكي الرياح..وليستلقي الزمن في قبره ..ولتنتظر الأرض أن يستيقظ الناس!

-هيا أمامي

صاح كبير العسس بها وهو يزج رجلا معروفا إلى الباحة الكبيرة حيث نصبت مقصلة الإعدام..

الذهول يهيمن على الناس الذين تحلقوا حول المنصة ..كلهم يتساءل:

مالخطب؟!
بالأمس كان هذا الرجل..ذاته..وزيرا من الوزراء..واليوم يقاد مخفورا إلى مقصلة الإعدام!! مالذي غير الأمور؟!
كان من بين المتحلقين حول المقصلة..(صالح) الذي أثر في وجهه السهاد ..كان يحوقل باستمرار ويتذكر مواقف الوزير القاسية على الناس..

"ياه ما أحقر الإنسان..يخال أنه قد تبوأ الأعالي..وفي لحظة ..تجر عليه نفسه الدواهي.."

ألم يكن هو ذاته..ذلك المستأسد الشامخ..الذي طالما نهر أرباب العمل والاقطاعيين..وزمجر في وجوه الأبرياء والمساكين..وملأ السجون من المظلومين
هو عينه..من روع ربات الخدور والأطفال ..ماباله اليوم مصفد هكذا ؟!
كان صالح يطيل النظر إليه..ويخيل إليه أنه يبكي..لم يكن يدرك لماذا يشعر بالشفقة تجاهه!
احس بيد حطت علي كتفه..التفت إلى صاحبها..وإذا به (زيد) :

-أمازلت حانقا علينا؟

ابتسم صالح بود:

-وهل لي أن أحنق عليه يا أخي؟

-طيب..عرفت مقامي عندك..فماذا عن ذاك؟!

وأشار بعينه إلى عون الذي كان يقف مبتعدا عنهما حتى لا يثير الشبهات..
اعتصم صالح بالصمت هنيهة ثم ردد:

-هو أخ على أي حال..وكل حال..

تلاقت أعينهما ..فأطرق كل منهما مكتنزا مشاعر متضاربة في أعماقه..
فجاة..دوى صوت جوهر في تلك الباحة قائلا:
" أيها الناس ..بأمر جلالة الملك..تقرر إعدام هذا الخائن الذي سلب حقوقكم"

"لا أصدق ما أسمع وأرى"
حدث صالح نفسه..

ويتابع جوهر:
"فليكن عبرة لمن يعتبر"

لا يدري صالح لماذا يركز جوهر النظر في عينيه؟!
أما لعلها خيالات تطوف برأسه هو فقط..
لحظ أن دموعا تنحدر من عيني الوزير.. هل يُعقل أن يلحظ الدموع وهو على هذه المسافة منه؟! التقط سمعه عبارات من المتجمهرين حول المقصلة:

"إنه يستحق هذه العاقبة"

"الله ينتقم من كل ظالم"

شقت الجمهور امرأة تولول!!

"لا تقتلوه.. أرجوكم"

اقتربت من جوهر.. انحنت على رجيليه.. تهتف بصوت ملؤه النحيب:

-جوهر.. إنه صاحبك لا تفعل به هذا أرجوك.. لا تيتم طفله الذي ما رأى النور بعد..

رفع جوهر صوته بنبرة عالية وقد راقه ما يجري:

-يا أختاه.. طفله طفلي وطفل مولانا الملك.. ولكني لا أملك أن أسامحه في حقوق هؤلاء

يشير بيديه إلى الناس المتحلقين حوله :

-لقد سرق زوجك حقوقهم ظلما.. وهذه نهاية الظلم..

الذهول يخيم على الناس.. لكأنهم يشهدون مشهدا مؤثرا.. يتألق فيه البطل جوهر!!

ويرتفع صوت الوزير متهدجا..

"عليك اللعنة يا جوهر.. أيها المحتال ..عليك اللعنة"

وبإشارة من جوهر.. يسكن الصوت.. وتخمد الأنفاس.. وينفض الناس هاتفين باسم الملك.. ولايبقى بجانب المعدم إلا امرأة تبكي بألم..
ويأخذ كل من زيد وصالح سمتهما متجهين معا إلى الديار.. يتساءل صالح:

-أين عون؟

-قفل راجعا إلى المدينة

-جيد أنه لم يقترب منا

-ولماذا؟

-حتى لا نثير شبهات عليه..

-أجل.. وخصوصا أنه عيننا في المدينة.. صحيح هل لحظت الشاب الذي كان يقف على يسار جوهر؟

-لا لم ألحظ أي شيء.. ولكن من هو على أي حال؟

-إنه "عمار" الدسيس الذي زج نفسه بين جوهر وزمرته..

-دسيس! أكره هذه الكلمة..

-عذرا! لم أجد كلمة أنسب يا سيدي!

-دع عنك هذا يا زيد وقل لي.. ألم تشعر بشيء غريب؟

-إزاء ماذا؟

-إزاء ماحصل اليوم من إعدام الوزير..

-وماهو الشعور الذي اعتراك أنت؟

-لا أدري.. فانا لا أستطيع أن أصدق أن الملك يعدم وزيرا لمجرد أنه سلب حقوق الناس!

-......
-أين هذا الحرص على حقوق الناس فيما مضى؟! ثم أن هناك ألاف المجرمين غيره.. وأولهم جوهر فلماذا لا تتم مساءلتهم! أظن المسألة أكبر من ذلك بكثير

-إن كل ما أخشاه أن يكون الوزير.. مظلوما..

-لا تضحكني يا زيد.. أي مظلوم هو وكيف؟! هل نسيت ماضيه الأسود؟!

-في الحقيقة يا صالح.. لقد شعرت تجاهه بشيء من الشفقة..

-أنا أيضا اعتراني هذا الشعور.. ولكن..

-ولقد لحظت أنه يبكي ولا أدري.. لماذا خيل إلي أنه يبكي بكاء المظلومين..

-ياه!! هل لحظت ذلك حقا! لقد أقنعت نفسي أني أتوهم ذلك البكاء

-آه يا صالح لم أعد أفهم ما يدور..

-إنها لعبة قذرة.. هذا ما أستطيع فهمه وحسب!

-أشعر برغبة بالصراخ


يقتربان من حانوت أبي صالح.. الذي أقفر من المشترين..

يتساءل صالح:

-هل وجدت عملا يا زيد؟

-كلا.. والحمد لله على كل حال..

-فرج الله عنك يا أخي..

-.....

-سأدخل قليلا إلى الحانوت.. فلم أجد أبي اليوم من بين الناس في الباحة..

-حسنا سأذهب إذا إلى داري..

-بحفظ الله..

يدلف صالح إلى الحانوت.. ليصعق بجوهر.. يجلس على كرسي بجانب أبيه
يرتفع السلام من صالح..
ليرد الإثنان السلام بأحسن منه.. ويقف جوهر لصالح باحترام قائلا:

-مرحبا بك يا بني..

يرمقه صالح بقرف ويلوذ بالصمت..

يتابع جوهر..

-لعلك راض عما جرى اليوم؟

-وماذاك؟!

-أو تسألني.. وأنت الفطين؟! ألم نعدم من سلب حقوق الناس ومن كنت دائما تقف في وجهه؟!

يبتسم صالح..

-اسمع يا هذا لن تخدعني أبدا

-أنا أتقرب إليك بهذا.. أسمعتني.. أيروقك ما أقول.. أنا.. أتقرب.. إليك.. فما قولك؟

-وأنا أتقرب إلى الله ببغضك.. ومحاربتك.. والتصدي لبغيك
انتفض جوهر ملدوغا

-أيها الأبله!

-أو تخال أنك تخدعني؟ لا تتعب نفسك.. فأنا لن أنسى دمع أمي ولا دماء فضل النجاد ولا طرد زيد.. ولا سلب أخي علاء..ولا أي جريمة قمت بها.. هل اكتفيت؟! أم أزيدك؟!

وجه جوهر كلامه لأبي صالح:

-ويحك يا أبا صالح!! ويحك!! لم تحسن تربية ولدك!!

يرمقه صالح ساخرا ، بينما يخرج مغتاظا

هنا.. أطال أبو صالح النظر إلى ولده فتساءل الأخير:

-لماذا تطيل النظر إلي يا أبي؟!

-لأملأ عيني منك.. فكأنك ذاهب دون رجعة!!






  رد مع اقتباس
/
قديم 25-07-2011, 01:29 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4


ما قبل فجر وليد
"ستقف أمام الموت ....فلا يريعك"



معبرة في جميع أجزائها

بإنتظار أن يزهر الشقاء

تقديري.. تسنيم!







ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 25-07-2011, 12:50 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

لم تبدو الشمس واجدة ؟!

تلملم أشعتها السنية محتجبة عن الأفق برداء من الغمام الأغبن؟
ولماذا تغمغم الرياح بصفير حزين؟ وكأنها ثكلى ..ترثي ماض جميل؟ ولماذا يخطو الزمن بسأم..كشيخ يسري في سمت ضرير زهد الحياة ..فمضى يعد لنفسه جدثا في مفاوز القنوط؟
أين ارتحل الرضا؟ وكيف احتجب الدعاء؟
أين تلك النجاوى العذبة في السحر؟ أين تلك الأهداب المختضلة بتراتيل الصلاة..لم فارق الناس التهجد؟ واستغرقوا في سبات مديد؟
فلتحتجب الشمس إذا..ولتبكي الرياح..وليستلقي الزمن في قبره ..ولتنتظر الأرض أن يستيقظ الناس!


ما أروعك هنا يا تسنيم






  رد مع اقتباس
/
قديم 16-08-2011, 09:09 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معن البديوي

ما قبل فجر وليد
"ستقف أمام الموت ....فلا يريعك"


معبرة في جميع أجزائها

بإنتظار أن يزهر الشقاء

تقديري.. تسنيم!





وتقديري العميق للحضور والتواصل..
بتواصلكم تتنفس النصوص.

خالص الشكر والتقدير.






  رد مع اقتباس
/
قديم 16-08-2011, 09:10 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روضة الفارسي
لم تبدو الشمس واجدة ؟!

تلملم أشعتها السنية محتجبة عن الأفق برداء من الغمام الأغبن؟
ولماذا تغمغم الرياح بصفير حزين؟ وكأنها ثكلى ..ترثي ماض جميل؟ ولماذا يخطو الزمن بسأم..كشيخ يسري في سمت ضرير زهد الحياة ..فمضى يعد لنفسه جدثا في مفاوز القنوط؟
أين ارتحل الرضا؟ وكيف احتجب الدعاء؟
أين تلك النجاوى العذبة في السحر؟ أين تلك الأهداب المختضلة بتراتيل الصلاة..لم فارق الناس التهجد؟ واستغرقوا في سبات مديد؟
فلتحتجب الشمس إذا..ولتبكي الرياح..وليستلقي الزمن في قبره ..ولتنتظر الأرض أن يستيقظ الناس!


ما أروعك هنا يا تسنيم



وأنت روعة الحضور يا روضة..
لك شكري الكبير الكبير
وسلمت.






  رد مع اقتباس
/
قديم 16-08-2011, 09:24 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

(2)

كل شيء ينطق بالأسى في هذا القصر الفاره..
الأعمدة المرصعة بالياقوت ،السقف المزخرف السجاد ، الديباج ، هاهي ذي الكآبة تحيل البريق إلى رماد باهت في عين أرملة شهدت مصرع زوجها بأم عينيها..
أخذت تطيل النظر في أرجاء القصر ،ويتردد في روعها أنين الأسف والندم..

"ماذا جنيت يا شداد من أكداس المال؟! ماذا استفدت من هذا القصر المترف؟! ماذا نلت من مقامك وزلفتك عند الملك؟! لم تنل إلا القتل الشنيع على الملأ..والبغض في قلوب الناس الذين لم يترحم أي منهم عليك..
آه..آه أيها المغبون الذي لم تشفع لك عند الناس توبتك.."

تحسست بطنها الذي انتفخ من أثر الحمل ،نشجت نشيجا عاليا وتداعت لها الأطياف والذكريات..
بالأمس قفرت حياتها من السعادة ،رغم الرغد الذي كان يحيق بها ،كانت تشعر بالكآبة طوقا حول جيدها ،يخنق كل فرحة ويئد كل بهجة ،لم تكن تستلذ بزاد أو حلي أو أي صنف من صنوف الموجودات..فقط..كانت تتوق إلى بسمة طفل يستثير فيها أمومتها ،ملت خواء حياتها من هذه المشاعر الرقراقة ،كرهت وجودها البارد ،بل تمنت الموت في كل تارة ،حسدت الفقراء الذين ينعمون بذراريهم ،ودت أن تستبدل هذا الرخاء بكوخ من الجريد..إن كان في ذلك طفل يناغيها وتناغيه ،أرقت الليالي الطوال ،وذرفت الدموع ،لم تلفت أبدا إلى وجود رب رحيم..لا تخفى عليه خافية في الوجود قاطبة ،حتى أتى ذلك الغبش الذي وسنت به فأطبقت جفنيها ،وإذا بطيف امرأة يزورها..
فناجتها بفلب كسير..

-أيتها السيدة ،هل لي إلى خلاص من سبيل؟!

فأجابتها بصوت..كخرير معين صاف :

-بلى..سبيل واضح كشمس الضحى..اطرقي باب الله..ارفعي كفيك إليه..وبثيه أشجانك..ناديه: يالله ..يالله..يالله..

استيقظت من رقدتها هاتفة:
يالله..

ودموعها تنحدر لا من عينيها..إنما من فؤادها..
انتبه زوجها ..وحدجها بنظرة استولى عليها العجب:

-مابالك يا امرأة..بماذا تهذين؟!

لم تجبه ،إنما هرعت للوضوء ،واتجهت للصلاة بكل جوارحها هاتفة:
يالله..يالله..يالله..

دأبت على هذا كل يوم..حتى نهرها زوجها يوما قائلا:

-هل جننت يا هذه؟! نحن نخدع الرعية بخزعبلات جوهر..لتصدقينها أنت!

-لا تهزأ بي يا شداد..ولا شأن لي بجوهر صاحبك..لقد توغل النور في روحي بوصال ربي..

-لا شك أنك جننت..أو تعتقدين أنك بهذا ستنجبين الأطفال؟! أنت مخطئة يا ربيبة الجاه..

-لا..لا ..لست مخطئة..تعال معي ..وجرّب هذا النور يا شداد..
ستشعر بسعادة لم تذقها يوما..وسينبثق في وحك بصيص أمل.. فالله يسمعنا..ويحس بآلامنا..ألا تتوق لطفل يا شداد؟! أجبني..

-..بلى..

-فادعوا الله معي..

هه..وهل يستجيب لنا الله..إن الله لا يستجيب لمثلنا أبدا..
انظري إلى جدران قصرك الملطخة بدماء الناس..لقد ُبني هذا المكان على الحسرات واللوعات..

-ويلك يا شداد! أتدرك ذلك..وتصر على الانغماس في وحله؟!

-لقد سئمت منك..بل سئمت حياتي كلها..سئمت المال..والقتل والمنصب..سئمت كل شيء..كل شيء..أنا كئيب في هذه الحياة..ولا خير ينتظرني بعد الموت..

صمت..وصفرة الفزع تكسو وجهه..

الموت! الموت!
كلمة يفزع منها أشد الفزع ،يود أن يفنيها من قاموس الوجود ،لكنه يدرك أنه سيموت يوما ،لا محالة..حتى لو نسى أو تناسى..
انخرطت بدورها في بكاء ونحيب ،حتى استسلمت لنوم هو أشبه بالإغماء..فإذا بها ترى السيدة مرة أخرى..هتفت بالتياع:

-أنجديني بالله عليك..عصفت بي الخطوب ..ولن أقوى على حملها مطلقا..

-طهري دارك من دماء الأبرياء..

-وكيف؟!

-بالتوبة..توبي إلى الله..وليتب زوجك إليه..وادخلا باب حطة نادمَين..ساعدا كل محتاج..عوضا كل من صيرتما عناءه قوتا لكما..انظري هنا!

أمعنت النظر ،فإذا بها ترى بيوتا ،مهدمة ،يبكي أبرياء على أطلالها ،وهنالك ثكلى تنحب فقد فلذة فؤادها ،و طفلة ، ارتمت باكية على أشلاء أبيها ،دماء من كل جانب..عويل يرتفع..
جزعت..صرخت ..أفاقت مذعورة..

"لا ..كفى ..كفى.."

رفعت كفها للسماء.. كشفت رأسها:

"غفرانك يا أرحم الراحمين.. التوبة.. التوبة يا عالما ما في الضمير.. المغفرة .. المغفرة"

أطالت البكاء..وقررت تغيير أوتطهير حياتها ،لن تعبأ بأي كان ولن تكترث لكونها زوجة الوزير..
ستغسل آثامها بدمع الكرى ونزف الجوى ،لم يعد
الإنجاب هو غاية ما تصبو إليه ،إنما أضحى بابا تلج منه إلى روضة القرب من ربها جل وعلا ،ولم تعد حياتها كما السالف!
حلقت سكينة الإيمان في ربوعها ،غرقت في أعمال الخير ، تخفت في جلباب رقيع وشاطرت الرعية همومهم ،حاولت تعويض المظلومين ،وإن كان ذلك لا يطيب قلوبهم الكليمة..
أدهشت زوجها الذي أخذ يراقبها بصمت نأدرك العالم الذي ضمها فأجرى أنهار الدفء في أوصالها الباردة ،لكم يشتاق هو إلى ذلك أيضا ،لكم يتحرق شوقا لمثل هذه الحياة..
إنه في خضم كل هذا النعيم لا يحيا ،إنما يعيش فقط!!
ولم يخل يوما ،أن تنقذه دمعة رجاء..ذرفها في وقت السحر..وهو يَصدُق بارئَه فيقول:

"هل تقبلني أنا أيضا يارب زوجتي؟! هل تقبلني بيدي المضرجة بالدماء؟!هل تقبلني؟! لقد سئمت عيشي هذا فهل تشفع لي لديك دموع ندمي؟!"

هل أنارت كيانه دمعة ذرفها في هذا الدجى ؟! فبدلت طغيانه إلى وجل!!وغيه إلى تقى؟!
إنه نعم!
فما باله يتنصل من مجالس الملك المزيف ..ليهرع إلى مجالس الملك الجبار الحقيقي؟!
وماباله يتلكأ في تنفيذ الأوامر الجائرة ويترحم على الرعية؟!
وماباله يستميت في إفشال مشروعة العبودية الذي يعد له الملك؟!
ومابال الوشاية تكثر حوله لتحيل رضا الملك إلى سخط عظيم؟!!
فلتضح يا شداد..برضا ملك مزيف..ولتشتر رضا الملك الحبيب..وليحيَ فؤادك بشذى الايمان ولتمحُ آثامك نبضات الثبات على المبدأ الحر..فحذار من العود إلى جُرز الأمس...
ولتقد مخفورا إلى باحة الإعدام..ولتعدم شنقا على الملأ..أمام عيني زوجتك التي لم تكد تفرح بدبيب طفل في أحشائها..!
هاهو الشيطان يهطع أمامك يا شداد..وهاهو الموت الذي لطالما وجلت منه..يخنع أمامك فلا يريعك..إنما يستحيل إلى واحة خلاص بعد ظمأ في صحراء مديدة..

أفاقت من ذكرياتها دامعة ،تدثرت بعباءة وهي تنظر من الشرفة إلى العسس الذين حوطوا القصر ،أجالت النظر فيه ،مودعة إياه ،وإلى مصير مجهول!






  رد مع اقتباس
/
قديم 16-08-2011, 09:28 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
آمال رقايق
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
الجزائر
إحصائية العضو







آخر مواضيعي

آمال رقايق غير متواجد حالياً


افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

أفكر في طريقة لتمرير قانون عالمي يقضي بإعدام

كل من تسول له ذائقته ألا يذهل أمام هذه القدرة السحرية

على ابتكار اللغة، وربط الكلمات بحبل سري من الألم والمعنى

ولكم كان الألم رابضا في المعاني..

تحفزيـن كياني للتعري أكثر أمام أسئلة ما قبل النوم


سيدتي تسنيم

أنا ساراي

تلميذتك النجيبة

صحا فطورك


أنـــا التي..






فاجئينا يا سماء!
  رد مع اقتباس
/
قديم 16-08-2011, 09:36 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

ساراي

أستاذتي..
وأنا التي أذهل دوما أمام حضورك الطاغي ، الفاتك ، اللذيذ..
و الجميل كروحك الندية..

صحا فطورك غاليتي
يامن أنبتِّ في تربة مواتي زهور حياة..

لك محبتي
وودي الكبير
وسلمت.






  رد مع اقتباس
/
قديم 17-08-2011, 12:21 PM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4



هنا يا تسنيم مشهد جميل وديلوج يستوقف وحس عالي جدا

استمتعت حقا وسأعود مرات

حبي الكبير

روضة






  رد مع اقتباس
/
قديم 17-08-2011, 01:25 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
د ثروت عكاشة السنوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
مصر
افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

أختي المبدعة الأرقى/ تسنيم الحبيب
ما أروعك من ساردة تجيدين فنون الرواية بدرجة امتياز،
حقا سيدتي شعرت بمتعة غريبة وشدتني روايتك فتمنيت لو أكملتها سريعاَ..
لك تقديري واعجابي ودعاء لك بالتوفيق الدائم
د/ ثروت عكاشة السنوسي
مصــــــــــــــــــــــر






  رد مع اقتباس
/
قديم 20-08-2011, 07:17 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
حامد محمود شبلي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
يحمل وسام الأكاديميّة للابداع الأدبي
سوريا

الصورة الرمزية حامد محمود شبلي

إحصائية العضو







آخر مواضيعي

حامد محمود شبلي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

أنا هنا
لم أغب عن الجمال أبدا
رواية تجذب النفوس
وحرف يسحر العقول
وروعة تأخذ بالأباب

دمت مبدعة ياتسنيم
لك ودي






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-10-2011, 11:49 AM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روضة الفارسي


هنا يا تسنيم مشهد جميل وديلوج يستوقف وحس عالي جدا

استمتعت حقا وسأعود مرات

حبي الكبير

روضة



العزيزة

روضة
يا سخية ..

لك محبتي واعتزازي الدائم بحضورك واهتمامك

كوني بحفظ الله.






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-10-2011, 11:50 AM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د ثروت عكاشة السنوسي
أختي المبدعة الأرقى/ تسنيم الحبيب
ما أروعك من ساردة تجيدين فنون الرواية بدرجة امتياز،
حقا سيدتي شعرت بمتعة غريبة وشدتني روايتك فتمنيت لو أكملتها سريعاَ..
لك تقديري واعجابي ودعاء لك بالتوفيق الدائم
د/ ثروت عكاشة السنوسي
مصــــــــــــــــــــــر



أديبنا القدير
د ثروت عكاشة السنوسي

سعدت كثيرا لحضور قامة أدبية رفيعة على ضفاف كلماتي المتواضعة
أجزل شكري و عميق امتناني

دمتم بحفظ الله.






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-10-2011, 11:51 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حامد محمود شبلي
أنا هنا
لم أغب عن الجمال أبدا
رواية تجذب النفوس
وحرف يسحر العقول
وروعة تأخذ بالأباب

دمت مبدعة ياتسنيم
لك ودي



أديبنا القدير
حامد محمود شبلي

تحيى الرواية بكم وبحضوركم السخي وملاحاظتكم الثمينة..
شكري الكبير إذ أنفقتم وقتا بين الحروف هنا

وخالص التقدير.






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-10-2011, 12:07 PM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: إشـــراق (رواية ) /4

(3)

الفجر كعادته!
يفجّر في القلوب الآمال ،ويستحثها لتستمد من تلألئه مضاء،فتلج إلى محراب القدس..
كل الآلاء ذابت في منظومة النجوى فذي الرياحين توضأت بالندى ،واصطفت في جبين السماء النجوم ،ورتل الكون صلاة الفجر..
عداه!!
إنه ابن التراب الذي آثر أن يشذ عن تلك المنظومة ، فهام في صحراء نفسه العطشى..يركض خلف سراب غدير ،حتى شرب التراب..
لماذا تغافل عن معين النور المهدى من رب العباد؟! لماذا أصر على الغفلة حتى أركس فيها؟! خال السعادة لذة تنقضي؟! ومتعة تنتهي؟! وظل يبحث عنها هائما دون جدوى...
بينما غنم بها الحر،الذي شن مذ وعى حربا على التراب، وعاهد الله جل وعلا أن ينشد السماء في كل حين..
أطال زيد سجوده هذا الصباح،يحاول أن يستمد من سجوده نفحات إيمانية كبرى ،وعزيمة يشد بها على عرى صبره الذي يخشى عليها أن تتضعضع..
ويتمنى أن ينسل من هذا الواقع المعتم ..
هل هو الهروب؟!
أم هو التنصل من مسؤولية الجهاد العظمى؟! أم هو الشوق الحقيقي للجنة التي تشرئب لها أعناق الوالهين؟!
إنها لحظة حاسمة مع روحه يحاول بها تحديد هويته في هذه الوشائج..
رفع رأسه من السجود محمر المقلتين ،متلاحق الأنفاس حتى أثار حفيظة أخويه ،ثم استوى في جلسة العبد المتواضع ،وهو يدير مسبحته البيضاء بين أنامله..
كانت خيوط العسجد تداعب السماء الباهتة لتفصح عن تباشير يوم جديد..
القلوب الخائفة التي ذوت في دجى الليل وانتظرت النهار طويلا لعله يبث فيها شيئا من السلوى ،والبطون الغرثى التي ألمها الضور،والنفوس الساغبة الى معين الطمأنينة..
كلها رنت إلى بأمل إلى تلك التباشير وترجمت آمالها بنظرات معبرة إلى شمس اليوم الجديد..
وألف الصغير "عابد" هذه الشمس..ومنى نفسه بأماني شتى ..دفعته لسؤال أخيه الغارق في تسبيحاته:

=زيد..؟

-نعم يا عابد؟

-أو لم تخبرني البارحة أنك ستأتي لنا بالتين والتمر ..؟

وخز قلبه..

-إن شاء الله..

وقفز هيثم صائحا:

-واللحم..ألن تحضر لنا لحما..أنا لم آكل لحما منذ مدة طويلة..

"إن شاء الله"

أطل عليهم وجه أحبوه ،واستلهموا منه مشاعر الطمأنينة والوئام ،إنه وجه أمهم الوضاء ،فاستسلم زيد لدفء عينيها لذلك الوميض الذي لطالما بث في أعماقه أناشيد السلام ،لكنه اليوم يريعه..يفزعه..ينذره بألم مديد ،لكأنه يرى هاتين العينين ذاتهما تذرفان على قبره دموع الثكل والأسى..

"لستَ مثلهما"
صوت يستبيحُ طهر قلبه...
"لستَ مثلهما..إن أيتاما في عنقك.."
يردد بخفاء :
"أستغفر الله ربي وأتوب إليه"

ثم يقول بحزم لأمه:

-لعلنا نهاجر لمدينة أخرى..

لاذت الأم بالسكوت..

وطرق باب الدار ..ليتساءل زيد:

"من ياترى في هذه البكور"

خطا إليه بخطوات ثقيلة ،تنفض هواجس ليل مرير ،فتحه ليفاجأ!
إنها التي ألقى له القمر أطيافها ،"ميساء" ،هاهو وجهها يسفر من بين دثار الحشمة ،تحمل صرة مغطاة بمنديل تفوح منها رائحة الخبز ،وبجابنها أبوها الذي ما ألقى إلى زيد سعة هاتفا بالسلام...
تنحى جانبا لتدخل ميساء خجلى بينما انساق إليه عمه يعاتبه:

-فهمنا عزوفك عن مصاهرتنا..فهل زهدت قرابتنا ايضا؟!

-لا يا عماه..العفو..

يربت عمه على كفه بحنو:

-ومالجديد في أمر عملك؟!

-جديد خير إن شاء الله..

برقت عينا العم:

-أو حقا ما تقول؟ هل وجدت عملا؟!

-لا ولكني اعزم على الهجرة ..لعلي أنفذ من الأغلال هنا..

-على رسلك يا بني..فليس الرحيل بالأمر السهل..

-مامن خيار على ما يبدو..

أطرق العم صامتا لا يملك من الكلمات قدرا يقدمه لهذا الفتى..

هبت رياح باردة..استخذى لها الإثنان بالانكماش والترقب ..وبدأت الأرض تصحو بتثاقل ..فتقل الغادين والآيبين..

تسول العم شيئا من العزيمة وأردف:

-أنا لم أزل أؤمن بأنك خير زوج لميساء..

-.....

-وربما...

-....

-تُظلم في حال اقترانها بشخص آخر..

يصمت زيد وفي ضميره تعتمل مشاعر الحسرة ..ويفهم العم مغزى صمته فيردف:

-على كلٍّ ..أنت ذو مروءة يازيد..ولكن ثق تماما أن هذا لا يشفع لك عندها...
لن أثقل عليك بالمزيد..ولم أتعمد إلقاء اللوم عليك..فلا يأخذن بعقلك الظن..

-لا يا عماه..ليس للظن في عقلي سبيل..وأنا أجشم مرماك..
ولكن..

-ليس عليك أن تبرر..

-......

-إذا علينا أن نؤوب الساعة..فثمة مهام تنتظرني..

-حسنا..أنا ممتن لقدومك حقا ياعماه..

-وساكون ممتنا لك لو دعوت ميساء..

ابتسم زيد بمرارة ،وهرع يدعو الفتاة الخجلى ،ليودعها وداعا لا تُعرف عقباه ،وشيعهما بنظراته الآسية ،حتى ذابا في وضاح الطريق ،اختنق..ثمة ثقل رهيب على صدره الملتاع..حث الخطى لجوف داره ،موجات مزدوجة من الغضب والحزن تصفد كيانه ،أخواه منكبان على صرة الخبز..يأكلان منها بشراهة..
انتبه..
يد أمه تمتد إليه بقطعة خبز:

-كل يازيد..

يأخذ منها القطعة بيد ترتجف..وسره يكتظ بمشاعر شوق ..يزدردها ويزدرد الغصة تلو الغصة..يردد بشرود:

-أعدوا للرحيل العدة..

تنظر إليه أمه بألم وهي لاتلوي على شيء..
ويتوجه بخطوات وئيدة حيث يعمل صالح ومراده أن ينفث عنده غلالة صدره..
أشار إليه وهو في لجة العمل..حتى وافاه صالح مستفهما:

-خيرا..؟!

-ماذا! ..ألا تحب رؤيتي..؟!

-بل أحب..ولكن..أعني مالأمر..ليس من عادتك أن تاتي إلى هنا..هل ورد طارئ؟!

-نعم..إنه الرحيل يا صالح..

-حقا!

-لامفر..لن أدع عيالي تنفق جوعا..

-حسنا يا زيد..لن أردعك عن عزمك..فلرما شرعت لك به أبواب الخير والصلاح..ولربما وجدت ضالتك في غير هذه الأرض..وإني لعلى ثقة بالله أنك لن تسلو دربنا الذي بدأناه منذ الصبا..

يجيبه باسما:

-لا تظنن أني تركتك وحيدا..لقد خلفت لك "أختنا عون المصونة" لتهتم بشؤونك..

-لن تتغير أبدا..حتى لو كنت مقطبا قرابة أسبوع..

رفع حاجبيه:

أنا..متى..؟ أو كنتُ مقطبا؟!

-طبعا..وهل تظنني أرميك بما أنت منه براء..؟! على كلٍّ..متى المسير؟!

-فور تمام بيع دارنا..

-وماذا عن القلوب التي تسكنها...؟

-كف عن تلميحك يا صالح..

-حسنا..علي الذهاب الآن..

-وأنا كذلك..علي قصد" أبي نصر"

-لن ينصفك..سيبخسك حقها..

-لن يدبر لي بيع الدار غيره...


تفرقا..وفي قلب كلٍّ منهما غصص طفحت على سطح المقل.. حتى كان من زيد سير حثيث ..وكأنه يصب جام حيرته على ساقيه..
توقف فجأة..!
يحملق في تلك النقطة التي بدت له كهالة من عالم الأحلام..
هناك عندما لاحت له ميساء وهي متحيرة من خطب ما..
كانت تقف أمام شجرة ضخمة ..وبدت بجانبها أمرأة متنكرة بغشاء رقيق..وإن كان هندامها ينطق ثراءا ونعيما..
لكنها بدت عليلة..أو ثمة خطب يعيقها عن النهوض..
وفي خضم هذا النفير تلاقت الأعين وارتفعت أصوات دقات القلبين..وثمة باقات من مشاعر مستفيضة ..تحلقت حول كيانين حائرين..

وأحس زيد بضرورة موافاة ميساء..لاستعلام هذا المجهول.. فاقترب منها بخطوات سريعة مستفهما:

-أ ثمة مكروه؟

-هذه السيدة..على وشك الوضع..وتريد مكانا يؤويها..ولا أدري ماذا أفعل..

-لم لا تذهبان لدار القابلة..إنها ليست على بعد منـ..

قاطعه صوت الماخض متاوهة:

-لا..لا..أرجوكما..

تردف ميساء:

-إنها لا تريد هذا..كما أنها لا تستطيع السير كثيرا..

أحس بالريبة..

-لماذا لاتريدين الذهاب لدار القابلة يا سيدة..

تردف عليه بارتجاف:

-أرجوك..ليس ثمة رمق بي..فساعدني أو اتركني بشأني..

"هذا الصوت ..ليس غريبا علي"

يحدث نفسه ..ثم يردف مخاطبا السيدة:

-حسنا يا سيدتي..فأين تريدين..؟

تتساقط دموعها:

-إلى أي مكان..أرجوكما..سأوافيكما بأجر وفير..صدقاني..

وتعمد إلى معصمها لتخلع سوارا من تبر أصيل..

يحمر أنفه:

-لا يا سيدتي..أعيدي سوارك..

ثم يوجه حديثه إلى ميساء:

-هلما لدار أبي صالح فهي الأقرب.

-حسنا..

تجيبه..
وبصعوبة بالغة يصلان للدار القريبة ..لتستقبلهم رحاب..وليهرع زيد لأمه ينشدها الإعانة.






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:05 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط