قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي. - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-06-2020, 09:08 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الفرحان بوعزة
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
المغرب
إحصائية العضو








آخر مواضيعي

الفرحان بوعزة متواجد حالياً


افتراضي قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.

قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.
تحت عنوان: الدوامة المعقدة بين الحياة الفعالة والحياة الباردة
40 ــــ قلق الوقت/محمد خالد بديوي/الأردن
كان يبدل للساعة المصلوبة على الحائط
بطارية
مالت من يده... فاندلق كل ما
فيها من وقت لتمتلئ الغرفة بأكوام من الأرق.
عنوان "قلق الوقت" جاء جملة اسمية/ المبتدأ معرف بالإضافة، وقد عرف النقاد بأنه هو العتبة الأولى للولوج لمضمون النص ومغزاه، وفهم ما هو ظاهر لما يريد الكاتب الحديث عنه. فأول ما يواجه القارئ هو العنوان كبوابة رئيسية تدل على لحظة تنويرية مبدئية لفحوى النص، ويمكن اعتبار العنوان "قلق الوقت" كنص مستقل وقائم بنفسه، يمكن البحث فيه قبل الاطلاع على فحوى النص. فالعنوان يثير فضول القارئ، فيدفعه إلى طرح عدة أسئلة منها: فما معنى القلق؟ وماذا يقصد الكاتب بقلق الوقت؟ وهل يقصد الكاتب القلق كظرف عابر يمر في حياة الإنسان؟ أم هو قلق دائم طول حياة الإنسان؟ وكيف يكون الوقت مقلقا؟ وهل يعتبر الوقت مسؤولا على قلق الإنسان؟...
تعتبر هذه الأسئلة مؤشرات على قوة العنوان، واتساع دلالاته، لما يكتسبه من نفحة فلسفية ووجودية، واجتماعية تمس الذات والنفس وعلاقتهما بالحس والشعور والإدراك. فكل إنسان له معيار خاص به لتقدير قيمة الوقت، فالأول قد يحس بطول الوقت، والثاني يحس بقصره.
فقد تعامل المبدع مع النّص الموازي/العنوان / بذكاء بعدما أخذه من بُعد رؤية مَجازية ومعنوية منتزعة من الواقع، لكنه واقع غير متوقّع بني على بعض الأشياء المادية / الساعة/ الحائط/البطارية/ الغرفة/. أشياء جعلها حية تشارك الإنسان في حياته، مما يفتح آفاقا غير محدودة، أساسُها التّأويل والاسْتنتاج، للتوسع في دلالات العنوان كلما تعددت القراءات.
والسؤال الذي قد يتبادر للذهن: متى يضع المبدع العنوان؟ أقبل النص أم بعده؟ أم بعد الانتهاء من إنتاج النص؟ والأمر ليس هينا ولا في المُتناول دائما، من جهة اختيار العنوان الذي يعتبر في حد ذاته إبداعا خاصا. والكثير من المبدعين يعانون في مجال السّرديات أو الشّعر في إيجاد العنوان المناسب.
جدلية القلق والوقت؟
من خلال التعريف العام للقلق: هو حالة نفسية وفسيولوجية معقدة تتركب من عناصر إدراكية وجسدية وسلوكية نتيجة لتكوّن شعور سلبي يرتبط عادةً بمشاعر عدم الارتياح والخوف والتردد تجاه أحداث متوقعة.
يصحب القلق بعض الآثار الجسدية الداخلية مثل خفقان القلب بسرعة، الشعور بالدوار وضيق في التنفس، والصداع، وبعض الآثار الخارجية مثل شحوب الجلد وتغير لونه، والارتعاش مع الفزع والذعر.
فالعنوان "قلق الوقت" يؤشر على الإنسان الذي يشعر بالقلق خلال كل الوقت الذي يوجد فيه، كأنه يحس أن ليس لديه من الوقت ما يكفي لإنجاز عمل ما. إذ يحس أن الوقت يمر بسرعة. فالوقت والقلق متلازمان كشفرتي مقص، ولكننا لا نعلم أيهما أقطع. يقول الفيلسوف البريطاني ويليام بن: "الوقت هو أكثر ما نحتاج، ولكنه أسوء ما نستخدم"
فلإنسان يقيس الوقت بالثواني والدقائق، والساعات والأيام والسنوات، لكن القلق المتعلق بالوقت مزعج له. والقلق المقلق للإنسان هو السؤال الذي يبقى عالقا في ذهنه، فيسقط في التكهنات المتعلقة بالمستقبل، من قبيل: ماذا يحمل الغد؟ وكيف يكون الغد؟ وما هي الأحداث التي سوف يحملها المستقبل؟ ما أفعله اليوم هل سيكون كافيا؟ ماذا لو حدث شيء سيء؟ ماذا لو فشلت؟ ماذا لو وقع لي حادث ما؟ ماذا لو مات أبي؟ كيف تكون جنازتي؟ هل أموت في بلدي؟ ما هو الوقت المكتوب لي لأعيش؟ ما هي مدة عيشي في الحياة بالضبط؟ متى تكون انتهاء حياتي؟ وعندما يتعلق الأمر بحياتنا أو ربما بنهايتها فإن الأمر يؤدي أحيانًا للشعور بالفزع، ولمَ لا؟ إن الشعور بالوقت الضائع من حياتنا، وإدراكنا بأنه ينحسر دون عودة أبدا، بينما نحن نتسابق ونتشتت وننشغل في أمور الحياة المتعددة، يساهم بكل تأكيد في توليد الشعور بالقلق والخوف وحتى الذعر. تقول ماريا ايدجوورث وهي كاتبة أيرلندية: "إذا اعتنينا نحن باللحظات، سوف تعتني السنوات بنفسها،اعرفْ القيمة الحقيقية للوقت، انتزعْ وانتهزْ واستمتعْ بكل لحظة فيه، بلا كسل ولا تسويف، ولا تُؤجِل إلى الغد ما تستطيع عمله اليوم.
الدلالة الغائبة في النص
كان يبدل للساعة المصلوبة على الحائط/ كان يبدل ماذا؟ فعندما نقرأ الجملة السردية التي كتبت وحدها في السطر، نحس أن هناك نقص في معنى الجملة، فلا تحقق الفهم السريع ، جملة يسكنها الخبر فيه خدعة للقارئ، فعندما يحس بعدم إتمام الخبر ينتبه القارئ بفكره وذهنه، ويتساءل عن ما يُبدل للساعة المصلوبة على الحائط؟ بعدها تأتي كلمة "بطارية" التي تعتبر كفرج وتنوير لتوتر القارئ، وإن كان من العادة أن نبدل بطاريات الساعات لتستمر في إحصاء الوقت الذي مضى، وما هو الوقت المتبقي في اليوم؟ ففرق بين الجملتين في التركيب:/ كان يبدل للساعة المصلوبة على الحائط/ والجملة التالية/ كان يبدل بطارية للساعة المصلوبة على الحائط/الاختلاف الموجود بين الجملتين يكمن في تقديم المفعول به/بطارية/ أوتأخيره. ومن هنا عمد الكاتب لتكسير الصورة في الجملة الأولى كنوع من إحداث قلق للقارئ أثناء استبدال البطارية خوفا من انفلات الوقت داخل شعوره..
التناص الضمني من خلال كلمة "المصلوبة"
للساعة المصلوبة/ فإذا تأملنا كلمة "المصلوبة" لغويا ودلاليا، فإننا نجد الصورة توحي على المحاصرة والتشدد في تكبيلها خوفا من التزحزح والسقوط، لتؤدي عملها كما ينبغي لتتبع مسار الوقت، وتحويله إلى أرقام تؤشر على فوات الوقت، وترقب الوقت الجديد.
أعتقد أن كلمة "المصلوبة" تقودنا إلى البحث عن تناص ضمني موجود في القصة بشكل غير مباشر، ودون أن يكون مصرحا به.
وقد خلق توظيف كلمة "المصلوبة" حالة من المشابهة في الأفكار أو الأنماط اللغوية أو الصور الفنية. فالناقدة جوليا كريستيفا انطلقت من مبدأ "أن النص الأدبي لا يُكتَب من الصفر، وإنما يكون لأي نص أدبي سوابق ينطلق منها ويتشكّل عليها، ليتم التوسع في هذا المفهوم ليصل إلى أن النص المادي لا يمكن أن يكون إلا جزءا من نص عام"

فكلمة "المصلوبة" تحيلنا على العود المكرم الذي صلب عليه السيد المسيح في اعتقاد النصارى، فصورة الساعة المصلوبة لها تشابه في النمط اللغوي ودلالته مع حالة النبي عيسى وهو مصلوب من حيث التثبيت على العود المكرم،تلك الصورة لها مشابهة ومجاورة في تثبيت الساعة على الحائط، وهذا شكل من أشكال التناص الذي يتم على المجاورة، أو ما يطلق عليه تجوار في اللفظ، في الصورة، ذلك من أجل خلق تصوير فني مغمور داخل الكلمة الموظفة في النص.
يقول أحد النقاد" وفيه تكون الجمل اللغوية في النصوص الأدبية في حالة من المجاوَرَة أو الموازاة على أن يحتفظ كل نص ببنيته ووظائفه وهويته الأدبية الخاصة."
مالت من يده.../ ما الذي مال في يده؟ هل الميل كان للساعة أم للبطارية؟ فلم يحالفه الحظ بعدما "مالت من يده". وأعتقد أن الضمير المستتر"هي" في "مالت" يعود على البطارية، ولما مالت يده سقطت البطارية على الأرض، قبل أن يضع البطارية في بطن الساعة لجعلها تحصي الوقت وتسجل ما مضى منه وما تبقى. فحرص البطل على ضبط الوقت ومواكبة تحركاته، وقلقه على فهم الوقت وإدراكه، وعدم تضييعه، فاهتزت مشاعره وقلقت وتوترت، فكانت سرعته في تقييم الوقت وتقويم الساعة ضاع بسبب القلق المفرط، لذلك نجده لم يفلح نظرا لاضطراب يده، واهتزازه، فخانه التركيز على ما يفعل، وما يمسك بيده. كما لو لم تكن صورة البطارية بيده، فلما سقطت البطارية على الأرض "اندلقت" أي لم تثبت في مكانها، واندفعت نحو التشتت، وخرج ما في أحشائها من معدات، فبقت الساعة على حالها، لم تشتغل ولم تتابع عملية إحصاء الوقت./ فاندلق كل ما فيها من وقت/ إنها لحظة توقف جريان الوقت، وبداية لحظة القلق، والبطارية كان لها وقت محدد لتشغيل الساعة، وبمجرد وضع البطارية في المكان المخصص لها، تشتغل الساعة في عد الوقت. فالبطل أحس أنه ضيع وقته ولم يستغله جيدا. فنحن دائمًا نريد المزيد من الوقت، لكن عندما يمر منا سهوا نصبح قلقين، وتلاحقنا فكرة القلق لأننا لم نستغل وقتنا بشكل جيد دائمًا، وتجعلنا نشعر، بالذنب وتسبب المزيد من القلق والقلق. فماذا وقع؟
وهذا ما أشر عليه الكاتب بجملة سردية مختزلة/ لتمتلئ الغرفة بأكوام من الأرق./ لا حدود للقلق في تلك اللحظة التي تساقطت فيها أحشاء البطارية، بل كبر القلق ونما في النفس، وأدى إلى ما يعرف بالإحساس بالذنب، ولوم الذات على تفريطها في الوقت.
القلق الممتد والمستمر
لقد اكتفى الكاتب بالتعبير على القلق المزمن بكلمة "الأرق" وهو عدم النوم الذي يصبح عابرا أو مزمنا، فقلة النوم تؤثر في قدرات الشخص العقلية وحالته العاطفية، فيكون معرّضا بشكل أكبر لفقدان القدرة على الصبر والتحمّل، كما يصاب بتغيرات في المزاج، وقد تتأثّر قدراته في اتخاذ القرارات والإبداع، بالإضافة إلى زيادة احتمالية الإصابة بالقلق النفسي والاكتئاب. لقد أصبح البطل غير مستقر في عيشه، وحياته. وقد تأخذه الوساوس والهواجس إلى متاهات التفكير البعيد على المنطق، ومن تم يصيبه القلق على أبسط حدث وقع له.
بناء وتركيب
حادثة اندلاق البطارية، ما هي إلا صورة تشخيصية تقرب القارئ من سلطة القلق، على المستقبل، والمصير والصحة، وتقدم العمر وفقدان الشهية للحياة. وهنا أصبح سكن البطل" الغرفة" بأشيائها المكونة لها مصدر قلق كبير، كل محتوياتها جالبة للاكتئاب والاضطراب النفسي، والشعور بالخوف والارتعاش، والتهيج في سلوكه وحديثه وتصرفاته. بطل يملأ حياته بأسئلة كثيرة لا يستطيع أن يجيب عليها؟ كيف مر الوقت بسرعة؟ وما هو الوقت المتبقي من العمر؟ ما هي وضعيتي في الآخرة؟ هل يقبل الله توبتي؟ ما هي وضعية أولادي من بعد موتي؟ كل هذه الأسئلة هي مقلقة قد تسبب الأرق المزمن.
هناك محفز لاستبدال البطارية لجعلها أن تستمر في احتساب الوقت، فالساعة لا تستمر في الدوران والتنقل بين الأرقام إلا إذا تجدد شحنها من الخارج بالبطارية، فلكل شيء أجل، له بداية ونهاية، حياة وموت.. والزمن التي قطعته الساعة بمساعدة البطارية هو تنبيه إلى دوران حياة الإنسان وانتقالها مع الأيام نحو نهاية محتومة لا جدال فيها. فحياة الساعة كحياة الإنسان، حياة تتأرجح بين الحركة والخمول، بين الصحة والمرض، بين السلامة والعطب، بين الاستمرار والتوقف، بين الولادة والممات. " فساعة الحائط تقابلها ساعة بيولوجية حيوية تنظم وقت النوم، ووقت الشعور بالجوع، والتغيرات في مستوى الهرمونات ودرجة الحرارة في الجسم، ساعة أرقى هي من صنع الله، تتلقى الإشارات التي تحتاجها من الضوء لمساعدتها للحفاظ على الوقت."
أعود مرة أخرى إلى الجملة السردية التالية/ فاندلق كل ما فيها من وقت/ جملة حمالة لدلالات لا تمس الساعة، بل تمس زمن حياة الإنسان الذي يتوزع بين الأيام التي نعيشها بين السعادة والشقاء، بين السعي إلى ما يرضينا، بين الفشل والنجاح، بين ما حققه الإنسان وما لم يستطع أن يحققه، فهو دائما في قلق مع الوقت قبل أن ينفد منه. وغالبا ما يصيبه السهو والتفريط في استغلال وقته. ولما ينتبه إلى الوقت الذي مضى، والذي سيأتي به الحاضر والغد يقلق على عدم انتهاز الفرصة للاستفادة من وقته. فيصاب بالذعر، وتنهشه أسئلة كثيرة عن قيمة الوقت، والتساؤل أكثر فيما أفنى وقته، فهو لم يدرك جيدا أنه لم يخلق عبثا، بل خلق لهدف، هو استغلال الوقت الذي توفر له، لأداء رسالته الإنسانية التي تهم نفسه وذاته ومجتمعه ودينه قبل أن ينفذ منه الزمن المخصص له، فلا يستطيع أن يشحن ساعته البيولوجية التي اختلت، وكل بطاريات الجسم أصبحت بدون فائدة. كثرة الأمراض، الأرق، اضطراب النوم، والاكتئاب الموسمى، والشيخوخة، وغيرها من الأمراض التي تؤرق الإنسان.
بطارية الساعة تتجدد وتعوض، وبطارية الإنسان من صحة وسلامته من الأمراض، وضياع الوقت في اللهو واللعب بدل الاجتهاد في شحن نفسه بالعمل الصالح وطاعة الله لا يعوض أبدا ..
والسؤال الذي يمكن اعتباره دعامة مؤسسة لحوار ونقاش حول ظهور"الأرق" في تلك اللحظة ،أعتقد أن هذا الأرق هو لوم للنفس وعتاب للضمير، بحيث نبهت هذه الحالة صاحبها إلى أهمية الوقت الذي ـــ ربما ـــ أضاعه وبذره تبذيرا، فالوقت الذي اندلق من الساعة، والتي كانت تضبطه لكي لا يختل دوارنها وانتقالها بين الأرقام دون كلل وتعب، هو وقت لا يبتعد عن وقت الإنسان، لكن الفرق بين الساعة الحائطية، والساعة الحيوية للإنسان قد يطول زمنها أو يقصر وفقا لحياة الإنسان المكتوبة له.
نص قصصي مختلف، وخارج عن المألوف، قصة/ومضة محفزة للقارئ أن يشارك في النقاش حول قلق الإنسان المستمر مع الوقت ما دام على قيد الحياة، والقصة منطلق للبحث عن جدوى الحياة، والقلق المصاحب لها؟ وما هي أفضل الأوقات التي يقضيها الإنسان في حياته؟ وهل الفراغ الروحي يؤدي إلى القلق المستمر؟ كلها أسئلة مدفونة بين لغة النص، فاللغة هي التي تتكلم ،ولكن المبدع ينتقي اللغة القادرة على الإبلاغ وتوصيل الفكرة في قالب لغوي لا يقول كل شيء. ومضة تتلبس بالفلسفة الوجودية التي حيرت الناس، فأدخلتهم في مذاهب شتى.. .
ومضة مشاغبة على مستوى التفرد بالحديث عن الزمن وعلاقته بحياة الإنسان، فقد توسل الكاتب عن طريق التحاذي ليتحدث عن الساعة وتوقفها، كما تتوقف حياة الإنسان في الدنيا بالموت وتبدأ حياة أخرى بعد الممات.
ومضة جمعت بين ما هو متعلق بالإنسان وعمره، وزمن عيشه، من استعداد أو إهمال للاستفادة من الزمن الذي يعيشه قبل فوات الأوان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة " إذَا عايَنَ المُؤْمِنُ المَلائِكَةَ قالُوا: نُرْجِعُكَ إلى الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: إلى دار الهُمُومِ والأحْزَان؟ فَيَقُولُ: بَلْ قَدّمَانِي إلى الله، وأمَّا الكافِرُ فَيُقال: نُرْجِعُكَ؟ فَيَقُولُ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ). ولما جاء في سورة "المؤمنون،آية 99 ــ 100" (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) .
1 ــ كتاب "سيميوطيقا: أبحاث من أجل تحليل دلائلي" الذي تم نشره في عام 1969م.






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-06-2020, 08:45 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الفرحان بوعزة
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
المغرب
إحصائية العضو








آخر مواضيعي

الفرحان بوعزة متواجد حالياً


افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.

شكرا لك أخي المبدع جمال على اهتمامك وتشجيعك الذي أعتز به.
محبتي وتقديري






  رد مع اقتباس
/
قديم 29-06-2020, 02:22 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
د.عايده بدر
فريق العمل
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
فائزة بالمركز الأول
مسابقة قصيدة النثر 2020
تحمل صولجان الومضة الحكائية
وسام المركز الاول في القصة القصيرة
مصر

الصورة الرمزية د.عايده بدر

افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.

حين يكون الحرف على هذا القدر من الروعة تأتي القراءة في تمام محلها
"قلق الوقت" نص من روائع ما كتب أستاذنا القدير محمد خالد بديوي وجاءت القراءة في تحليلها وعمقها ورقيها لتعلق النص الرائع في سماء الحرف
مبدعينا الرائعين أستاذنا القدير الفرحان بوعزة كل التقدير لقراءتك العميقة الراقية
ولأستاذنا القدير محمد خالد بديوي كل التقدير لحرف مبدع متألق
عايده








روح تسكن عرش موتي
تعيد لي جمال الوجود الذي هو بعيني خراب
  رد مع اقتباس
/
قديم 01-07-2020, 01:43 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
محمد خالد بديوي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / عمون
الاردن

الصورة الرمزية محمد خالد بديوي

افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفرحان بوعزة مشاهدة المشاركة
قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.
تحت عنوان: الدوامة المعقدة بين الحياة الفعالة والحياة الباردة
40 ــــ قلق الوقت/محمد خالد بديوي/الأردن
كان يبدل للساعة المصلوبة على الحائط
بطارية
مالت من يده... فاندلق كل ما
فيها من وقت لتمتلئ الغرفة بأكوام من الأرق.
عنوان "قلق الوقت" جاء جملة اسمية/ المبتدأ معرف بالإضافة، وقد عرف النقاد بأنه هو العتبة الأولى للولوج لمضمون النص ومغزاه، وفهم ما هو ظاهر لما يريد الكاتب الحديث عنه. فأول ما يواجه القارئ هو العنوان كبوابة رئيسية تدل على لحظة تنويرية مبدئية لفحوى النص، ويمكن اعتبار العنوان "قلق الوقت" كنص مستقل وقائم بنفسه، يمكن البحث فيه قبل الاطلاع على فحوى النص. فالعنوان يثير فضول القارئ، فيدفعه إلى طرح عدة أسئلة منها: فما معنى القلق؟ وماذا يقصد الكاتب بقلق الوقت؟ وهل يقصد الكاتب القلق كظرف عابر يمر في حياة الإنسان؟ أم هو قلق دائم طول حياة الإنسان؟ وكيف يكون الوقت مقلقا؟ وهل يعتبر الوقت مسؤولا على قلق الإنسان؟...
تعتبر هذه الأسئلة مؤشرات على قوة العنوان، واتساع دلالاته، لما يكتسبه من نفحة فلسفية ووجودية، واجتماعية تمس الذات والنفس وعلاقتهما بالحس والشعور والإدراك. فكل إنسان له معيار خاص به لتقدير قيمة الوقت، فالأول قد يحس بطول الوقت، والثاني يحس بقصره.
فقد تعامل المبدع مع النّص الموازي/العنوان / بذكاء بعدما أخذه من بُعد رؤية مَجازية ومعنوية منتزعة من الواقع، لكنه واقع غير متوقّع بني على بعض الأشياء المادية / الساعة/ الحائط/البطارية/ الغرفة/. أشياء جعلها حية تشارك الإنسان في حياته، مما يفتح آفاقا غير محدودة، أساسُها التّأويل والاسْتنتاج، للتوسع في دلالات العنوان كلما تعددت القراءات.
والسؤال الذي قد يتبادر للذهن: متى يضع المبدع العنوان؟ أقبل النص أم بعده؟ أم بعد الانتهاء من إنتاج النص؟ والأمر ليس هينا ولا في المُتناول دائما، من جهة اختيار العنوان الذي يعتبر في حد ذاته إبداعا خاصا. والكثير من المبدعين يعانون في مجال السّرديات أو الشّعر في إيجاد العنوان المناسب.
جدلية القلق والوقت؟
من خلال التعريف العام للقلق: هو حالة نفسية وفسيولوجية معقدة تتركب من عناصر إدراكية وجسدية وسلوكية نتيجة لتكوّن شعور سلبي يرتبط عادةً بمشاعر عدم الارتياح والخوف والتردد تجاه أحداث متوقعة.
يصحب القلق بعض الآثار الجسدية الداخلية مثل خفقان القلب بسرعة، الشعور بالدوار وضيق في التنفس، والصداع، وبعض الآثار الخارجية مثل شحوب الجلد وتغير لونه، والارتعاش مع الفزع والذعر.
فالعنوان "قلق الوقت" يؤشر على الإنسان الذي يشعر بالقلق خلال كل الوقت الذي يوجد فيه، كأنه يحس أن ليس لديه من الوقت ما يكفي لإنجاز عمل ما. إذ يحس أن الوقت يمر بسرعة. فالوقت والقلق متلازمان كشفرتي مقص، ولكننا لا نعلم أيهما أقطع. يقول الفيلسوف البريطاني ويليام بن: "الوقت هو أكثر ما نحتاج، ولكنه أسوء ما نستخدم"
فلإنسان يقيس الوقت بالثواني والدقائق، والساعات والأيام والسنوات، لكن القلق المتعلق بالوقت مزعج له. والقلق المقلق للإنسان هو السؤال الذي يبقى عالقا في ذهنه، فيسقط في التكهنات المتعلقة بالمستقبل، من قبيل: ماذا يحمل الغد؟ وكيف يكون الغد؟ وما هي الأحداث التي سوف يحملها المستقبل؟ ما أفعله اليوم هل سيكون كافيا؟ ماذا لو حدث شيء سيء؟ ماذا لو فشلت؟ ماذا لو وقع لي حادث ما؟ ماذا لو مات أبي؟ كيف تكون جنازتي؟ هل أموت في بلدي؟ ما هو الوقت المكتوب لي لأعيش؟ ما هي مدة عيشي في الحياة بالضبط؟ متى تكون انتهاء حياتي؟ وعندما يتعلق الأمر بحياتنا أو ربما بنهايتها فإن الأمر يؤدي أحيانًا للشعور بالفزع، ولمَ لا؟ إن الشعور بالوقت الضائع من حياتنا، وإدراكنا بأنه ينحسر دون عودة أبدا، بينما نحن نتسابق ونتشتت وننشغل في أمور الحياة المتعددة، يساهم بكل تأكيد في توليد الشعور بالقلق والخوف وحتى الذعر. تقول ماريا ايدجوورث وهي كاتبة أيرلندية: "إذا اعتنينا نحن باللحظات، سوف تعتني السنوات بنفسها،اعرفْ القيمة الحقيقية للوقت، انتزعْ وانتهزْ واستمتعْ بكل لحظة فيه، بلا كسل ولا تسويف، ولا تُؤجِل إلى الغد ما تستطيع عمله اليوم.
الدلالة الغائبة في النص
كان يبدل للساعة المصلوبة على الحائط/ كان يبدل ماذا؟ فعندما نقرأ الجملة السردية التي كتبت وحدها في السطر، نحس أن هناك نقص في معنى الجملة، فلا تحقق الفهم السريع ، جملة يسكنها الخبر فيه خدعة للقارئ، فعندما يحس بعدم إتمام الخبر ينتبه القارئ بفكره وذهنه، ويتساءل عن ما يُبدل للساعة المصلوبة على الحائط؟ بعدها تأتي كلمة "بطارية" التي تعتبر كفرج وتنوير لتوتر القارئ، وإن كان من العادة أن نبدل بطاريات الساعات لتستمر في إحصاء الوقت الذي مضى، وما هو الوقت المتبقي في اليوم؟ ففرق بين الجملتين في التركيب:/ كان يبدل للساعة المصلوبة على الحائط/ والجملة التالية/ كان يبدل بطارية للساعة المصلوبة على الحائط/الاختلاف الموجود بين الجملتين يكمن في تقديم المفعول به/بطارية/ أوتأخيره. ومن هنا عمد الكاتب لتكسير الصورة في الجملة الأولى كنوع من إحداث قلق للقارئ أثناء استبدال البطارية خوفا من انفلات الوقت داخل شعوره..
التناص الضمني من خلال كلمة "المصلوبة"
للساعة المصلوبة/ فإذا تأملنا كلمة "المصلوبة" لغويا ودلاليا، فإننا نجد الصورة توحي على المحاصرة والتشدد في تكبيلها خوفا من التزحزح والسقوط، لتؤدي عملها كما ينبغي لتتبع مسار الوقت، وتحويله إلى أرقام تؤشر على فوات الوقت، وترقب الوقت الجديد.
أعتقد أن كلمة "المصلوبة" تقودنا إلى البحث عن تناص ضمني موجود في القصة بشكل غير مباشر، ودون أن يكون مصرحا به.
وقد خلق توظيف كلمة "المصلوبة" حالة من المشابهة في الأفكار أو الأنماط اللغوية أو الصور الفنية. فالناقدة جوليا كريستيفا انطلقت من مبدأ "أن النص الأدبي لا يُكتَب من الصفر، وإنما يكون لأي نص أدبي سوابق ينطلق منها ويتشكّل عليها، ليتم التوسع في هذا المفهوم ليصل إلى أن النص المادي لا يمكن أن يكون إلا جزءا من نص عام"

فكلمة "المصلوبة" تحيلنا على العود المكرم الذي صلب عليه السيد المسيح في اعتقاد النصارى، فصورة الساعة المصلوبة لها تشابه في النمط اللغوي ودلالته مع حالة النبي عيسى وهو مصلوب من حيث التثبيت على العود المكرم،تلك الصورة لها مشابهة ومجاورة في تثبيت الساعة على الحائط، وهذا شكل من أشكال التناص الذي يتم على المجاورة، أو ما يطلق عليه تجوار في اللفظ، في الصورة، ذلك من أجل خلق تصوير فني مغمور داخل الكلمة الموظفة في النص.
يقول أحد النقاد" وفيه تكون الجمل اللغوية في النصوص الأدبية في حالة من المجاوَرَة أو الموازاة على أن يحتفظ كل نص ببنيته ووظائفه وهويته الأدبية الخاصة."
مالت من يده.../ ما الذي مال في يده؟ هل الميل كان للساعة أم للبطارية؟ فلم يحالفه الحظ بعدما "مالت من يده". وأعتقد أن الضمير المستتر"هي" في "مالت" يعود على البطارية، ولما مالت يده سقطت البطارية على الأرض، قبل أن يضع البطارية في بطن الساعة لجعلها تحصي الوقت وتسجل ما مضى منه وما تبقى. فحرص البطل على ضبط الوقت ومواكبة تحركاته، وقلقه على فهم الوقت وإدراكه، وعدم تضييعه، فاهتزت مشاعره وقلقت وتوترت، فكانت سرعته في تقييم الوقت وتقويم الساعة ضاع بسبب القلق المفرط، لذلك نجده لم يفلح نظرا لاضطراب يده، واهتزازه، فخانه التركيز على ما يفعل، وما يمسك بيده. كما لو لم تكن صورة البطارية بيده، فلما سقطت البطارية على الأرض "اندلقت" أي لم تثبت في مكانها، واندفعت نحو التشتت، وخرج ما في أحشائها من معدات، فبقت الساعة على حالها، لم تشتغل ولم تتابع عملية إحصاء الوقت./ فاندلق كل ما فيها من وقت/ إنها لحظة توقف جريان الوقت، وبداية لحظة القلق، والبطارية كان لها وقت محدد لتشغيل الساعة، وبمجرد وضع البطارية في المكان المخصص لها، تشتغل الساعة في عد الوقت. فالبطل أحس أنه ضيع وقته ولم يستغله جيدا. فنحن دائمًا نريد المزيد من الوقت، لكن عندما يمر منا سهوا نصبح قلقين، وتلاحقنا فكرة القلق لأننا لم نستغل وقتنا بشكل جيد دائمًا، وتجعلنا نشعر، بالذنب وتسبب المزيد من القلق والقلق. فماذا وقع؟
وهذا ما أشر عليه الكاتب بجملة سردية مختزلة/ لتمتلئ الغرفة بأكوام من الأرق./ لا حدود للقلق في تلك اللحظة التي تساقطت فيها أحشاء البطارية، بل كبر القلق ونما في النفس، وأدى إلى ما يعرف بالإحساس بالذنب، ولوم الذات على تفريطها في الوقت.
القلق الممتد والمستمر
لقد اكتفى الكاتب بالتعبير على القلق المزمن بكلمة "الأرق" وهو عدم النوم الذي يصبح عابرا أو مزمنا، فقلة النوم تؤثر في قدرات الشخص العقلية وحالته العاطفية، فيكون معرّضا بشكل أكبر لفقدان القدرة على الصبر والتحمّل، كما يصاب بتغيرات في المزاج، وقد تتأثّر قدراته في اتخاذ القرارات والإبداع، بالإضافة إلى زيادة احتمالية الإصابة بالقلق النفسي والاكتئاب. لقد أصبح البطل غير مستقر في عيشه، وحياته. وقد تأخذه الوساوس والهواجس إلى متاهات التفكير البعيد على المنطق، ومن تم يصيبه القلق على أبسط حدث وقع له.
بناء وتركيب
حادثة اندلاق البطارية، ما هي إلا صورة تشخيصية تقرب القارئ من سلطة القلق، على المستقبل، والمصير والصحة، وتقدم العمر وفقدان الشهية للحياة. وهنا أصبح سكن البطل" الغرفة" بأشيائها المكونة لها مصدر قلق كبير، كل محتوياتها جالبة للاكتئاب والاضطراب النفسي، والشعور بالخوف والارتعاش، والتهيج في سلوكه وحديثه وتصرفاته. بطل يملأ حياته بأسئلة كثيرة لا يستطيع أن يجيب عليها؟ كيف مر الوقت بسرعة؟ وما هو الوقت المتبقي من العمر؟ ما هي وضعيتي في الآخرة؟ هل يقبل الله توبتي؟ ما هي وضعية أولادي من بعد موتي؟ كل هذه الأسئلة هي مقلقة قد تسبب الأرق المزمن.
هناك محفز لاستبدال البطارية لجعلها أن تستمر في احتساب الوقت، فالساعة لا تستمر في الدوران والتنقل بين الأرقام إلا إذا تجدد شحنها من الخارج بالبطارية، فلكل شيء أجل، له بداية ونهاية، حياة وموت.. والزمن التي قطعته الساعة بمساعدة البطارية هو تنبيه إلى دوران حياة الإنسان وانتقالها مع الأيام نحو نهاية محتومة لا جدال فيها. فحياة الساعة كحياة الإنسان، حياة تتأرجح بين الحركة والخمول، بين الصحة والمرض، بين السلامة والعطب، بين الاستمرار والتوقف، بين الولادة والممات. " فساعة الحائط تقابلها ساعة بيولوجية حيوية تنظم وقت النوم، ووقت الشعور بالجوع، والتغيرات في مستوى الهرمونات ودرجة الحرارة في الجسم، ساعة أرقى هي من صنع الله، تتلقى الإشارات التي تحتاجها من الضوء لمساعدتها للحفاظ على الوقت."
أعود مرة أخرى إلى الجملة السردية التالية/ فاندلق كل ما فيها من وقت/ جملة حمالة لدلالات لا تمس الساعة، بل تمس زمن حياة الإنسان الذي يتوزع بين الأيام التي نعيشها بين السعادة والشقاء، بين السعي إلى ما يرضينا، بين الفشل والنجاح، بين ما حققه الإنسان وما لم يستطع أن يحققه، فهو دائما في قلق مع الوقت قبل أن ينفد منه. وغالبا ما يصيبه السهو والتفريط في استغلال وقته. ولما ينتبه إلى الوقت الذي مضى، والذي سيأتي به الحاضر والغد يقلق على عدم انتهاز الفرصة للاستفادة من وقته. فيصاب بالذعر، وتنهشه أسئلة كثيرة عن قيمة الوقت، والتساؤل أكثر فيما أفنى وقته، فهو لم يدرك جيدا أنه لم يخلق عبثا، بل خلق لهدف، هو استغلال الوقت الذي توفر له، لأداء رسالته الإنسانية التي تهم نفسه وذاته ومجتمعه ودينه قبل أن ينفذ منه الزمن المخصص له، فلا يستطيع أن يشحن ساعته البيولوجية التي اختلت، وكل بطاريات الجسم أصبحت بدون فائدة. كثرة الأمراض، الأرق، اضطراب النوم، والاكتئاب الموسمى، والشيخوخة، وغيرها من الأمراض التي تؤرق الإنسان.
بطارية الساعة تتجدد وتعوض، وبطارية الإنسان من صحة وسلامته من الأمراض، وضياع الوقت في اللهو واللعب بدل الاجتهاد في شحن نفسه بالعمل الصالح وطاعة الله لا يعوض أبدا ..
والسؤال الذي يمكن اعتباره دعامة مؤسسة لحوار ونقاش حول ظهور"الأرق" في تلك اللحظة ،أعتقد أن هذا الأرق هو لوم للنفس وعتاب للضمير، بحيث نبهت هذه الحالة صاحبها إلى أهمية الوقت الذي ـــ ربما ـــ أضاعه وبذره تبذيرا، فالوقت الذي اندلق من الساعة، والتي كانت تضبطه لكي لا يختل دوارنها وانتقالها بين الأرقام دون كلل وتعب، هو وقت لا يبتعد عن وقت الإنسان، لكن الفرق بين الساعة الحائطية، والساعة الحيوية للإنسان قد يطول زمنها أو يقصر وفقا لحياة الإنسان المكتوبة له.
نص قصصي مختلف، وخارج عن المألوف، قصة/ومضة محفزة للقارئ أن يشارك في النقاش حول قلق الإنسان المستمر مع الوقت ما دام على قيد الحياة، والقصة منطلق للبحث عن جدوى الحياة، والقلق المصاحب لها؟ وما هي أفضل الأوقات التي يقضيها الإنسان في حياته؟ وهل الفراغ الروحي يؤدي إلى القلق المستمر؟ كلها أسئلة مدفونة بين لغة النص، فاللغة هي التي تتكلم ،ولكن المبدع ينتقي اللغة القادرة على الإبلاغ وتوصيل الفكرة في قالب لغوي لا يقول كل شيء. ومضة تتلبس بالفلسفة الوجودية التي حيرت الناس، فأدخلتهم في مذاهب شتى.. .
ومضة مشاغبة على مستوى التفرد بالحديث عن الزمن وعلاقته بحياة الإنسان، فقد توسل الكاتب عن طريق التحاذي ليتحدث عن الساعة وتوقفها، كما تتوقف حياة الإنسان في الدنيا بالموت وتبدأ حياة أخرى بعد الممات.
ومضة جمعت بين ما هو متعلق بالإنسان وعمره، وزمن عيشه، من استعداد أو إهمال للاستفادة من الزمن الذي يعيشه قبل فوات الأوان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة " إذَا عايَنَ المُؤْمِنُ المَلائِكَةَ قالُوا: نُرْجِعُكَ إلى الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: إلى دار الهُمُومِ والأحْزَان؟ فَيَقُولُ: بَلْ قَدّمَانِي إلى الله، وأمَّا الكافِرُ فَيُقال: نُرْجِعُكَ؟ فَيَقُولُ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ). ولما جاء في سورة "المؤمنون،آية 99 ــ 100" (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) .
1 ــ كتاب "سيميوطيقا: أبحاث من أجل تحليل دلائلي" الذي تم نشره في عام 1969م.



أستاذي المكرم وأديبنا الكبير القدير الفرحان بو عزة

كنت أملك الكثير لأقوله عن هذه الدراسة النقدية والتحليلة لنصي
المتواضع (قلق الوقت ) لكني كلما قرأتها أجدها وقد ألجمتني عن
الكلام . دراسة جميلة وعميقة ..وافية وشاملة تمكنت من تحليل ظاهر
الحكائية وما أخفت في باطنها من الرؤى والمعاني الكثيرة ..مثل هذه
القراءات ما تحتاجه الكتابة والكتّاب عموما ..وأتكلم عن من يدرك أنه
صاحب رسالة يريد لرسالته أن تؤثر ، ويبقى تأثيرها إلى ما بعد حياته
فنحن وإن كان فينا رغبة للتصفيق والإشادة والثناء ، إلا أننا نحرص
على دوم الرسالة وما حملت من وصف وتوظيف ..وما تريد إيصاله لمن
سيأتي بعدنا . من منا لا يعود إلى روائع القص والشعر الذي مر عليه عقود
وقرون ..من منا لم يتعلم ممن سبقونا في الوجود والإلهام فكتبوا أجمل وأطيب
الكلام ..ومن عجب أن تقرأ نصك الذي كتبت فتفهم من خلال نقده وتحليله ما غاب
عن ذهنك خلال الكتالة ..بعدها أو قبلها ..هنا يأتي دور القارئ المؤتمن على اللغة
والكتابة ليبين للمتلقي كيف تكون القراءة أهم من الكتابة نفسها .!! فما تعانيه
الكتابة في هذا الزمن هو (القراءة) التي تحتاج إلى وعي خاص وثقافة واسعة
وكثير اهتمام ..بدون ذلك ستكون النصوص حكرا على فئة معينة من أهل الأدب
أولئك من يشعرون بثقل الأمانة وواجب الوفاء حتى يكون الأدب العربي في أبهى
صوره ..عكس ما يحدث الآن من تشويه والاهتمام بصاحب النص ومقامه في المجتمع
دون الالتفات للنص بعين الصدق الثاقبة لظاهر النص وباطنه وقول كلمة حق يرتقي
معها النص أو ينخفض..


الأديب الفرحان بو عزة صاحب البصر الثاقب والبصيرة النافذة طالما نصحني بأن
أجمع قراءاتي لإحساسه بأنها ستكون مفيدة وستثري كل باحث عن تنوع أساليب
القراءة ..وقد أكد على هذا الطرح أديبنا القدير عبد الرحيم التدلاوي حين قدم لي
نفس الصيحة . حقيقة ليس هناك إلا العوائق المادية والتي منعتني إلى الآن من نشر
مجموعاتي القصصية ورواية اكتملت والكثير من الققج أو الومضة الحكائية لكنني
على أمل بفرج الله تعالى الذي إن لم يتحقق في حياتي أن يتحقق بعدها ..

واليوم وقد علمت أنه طبع كتابا جمع فيه قراءاته أو أنه بصدد طبعه فإنني أشعر
بأن لا شئ سيضيع وأصحاب الوفاء هؤلاء وجودهم سيغني عن قراءاتي فهم أساتذة
لن نضيف على ما أبدعوه..أليس هذا ما يجعل المؤتمن مطمئنا .!!



صديقي الودود وأستاذي المكرم وأديبنا الكبير الفرحان بو عزة

شكرا جزيلا لكم على عطاؤكم الكثير وجهودكم التي لا تنضب وإبداعاتكم
التي تعلمنا منها الكثير ودفعتنا لأن نكثف اطلاعنا لنأتي بكل ما هو مختلف
وبديع ..
{{راجيا المولى تعالى أن يكون ذلك في ميزان حسناتكم}

بوركتم وبورك نبض قلبكم النقي وسلمت روحكم الناصعة محلقة

احترامي وتقديري وخالص محبتي والمودة






قبل هذا ما كنت أميز..

لأنك كنت تملأ هذا الفراغ


صار للفراغ حــيــــز ..!!
  رد مع اقتباس
/
قديم 01-07-2020, 01:49 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
محمد خالد بديوي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / عمون
الاردن

الصورة الرمزية محمد خالد بديوي

افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.

[quote=جمال عمران;1824614]مرحبا 🌹اخى بوعزة
سعدت بهذه القراءة أيما سعادة...
بوركت والمداد.
شكرا لك،، وللاستاذ بديوى.
مودتي[/q



المبدع المكرم جمال عمران

الشكر لكم عزيزي على متابعتكم واهتمامكم

سلمتم وسلمت روحكم الناصعة
احترامي وتقديري






قبل هذا ما كنت أميز..

لأنك كنت تملأ هذا الفراغ


صار للفراغ حــيــــز ..!!
  رد مع اقتباس
/
قديم 01-07-2020, 01:59 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
محمد خالد بديوي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / عمون
الاردن

الصورة الرمزية محمد خالد بديوي

افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عايده بدر مشاهدة المشاركة
حين يكون الحرف على هذا القدر من الروعة تأتي القراءة في تمام محلها
"قلق الوقت" نص من روائع ما كتب أستاذنا القدير محمد خالد بديوي وجاءت القراءة في تحليلها وعمقها ورقيها لتعلق النص الرائع في سماء الحرف
مبدعينا الرائعين أستاذنا القدير الفرحان بوعزة كل التقدير لقراءتك العميقة الراقية
ولأستاذنا القدير محمد خالد بديوي كل التقدير لحرف مبدع متألق
عايده


القديرة المبدعة عايده بدر

صدقتم يا سيدتي الفاضلة بخصوص القراءة المذهلة التي
قدمها كبيرنا الفرحان بوعزة ..هي علامة من علامات الأمين
الوفي على الأدب عموما وعلى ما يقرأ ويرى فيه ما يستحق.

وهذا لن ينسينا عطاؤكم وجهودكم قديرتنا المبدعة في ملاحقة النصوص
التي تستحق وقراءاتكم المبدعة والمتألقة لهذه النصوص ..فقد لمسنا
منكم وأنتم أساتذتنا كرم المتابعة وحسن القراءة البديعة المختلفة .

سلمتم وسلمت روحكم الناصعة محلقة

احترامي والمودة وتقديري






قبل هذا ما كنت أميز..

لأنك كنت تملأ هذا الفراغ


صار للفراغ حــيــــز ..!!
  رد مع اقتباس
/
قديم 14-07-2020, 01:29 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.

بارك الله فيك أستاذنا الفاضل السي الفرحان
حضورك مُثر وعميق وقراءتك جادة ومفيدة
هو ذا النقد ليس قراءة وصفية بل تحليل لعمق لحظة المخاض
شكرا لانك تثري الركن بهكذا قراءات تعيد للنقد ما ضاع منه
وتحية للمحتفى به الأستاذ الفاضل السي محمد






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 31-07-2020, 12:16 AM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
أحلام المصري
الإدارة العليا
شجرة الدرّ
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
عضوة تجمع أدباء الرسالة
تحمل صولجان الومضة الحكائية 2013
تحمل أوسمة الاكاديمية للابداع والعطاء
مصر

الصورة الرمزية أحلام المصري

افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفرحان بوعزة مشاهدة المشاركة
قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.
تحت عنوان: الدوامة المعقدة بين الحياة الفعالة والحياة الباردة
40 ــــ قلق الوقت/محمد خالد بديوي/الأردن
كان يبدل للساعة المصلوبة على الحائط
بطارية
مالت من يده... فاندلق كل ما
فيها من وقت لتمتلئ الغرفة بأكوام من الأرق.
عنوان "قلق الوقت" جاء جملة اسمية/ المبتدأ معرف بالإضافة، وقد عرف النقاد بأنه هو العتبة الأولى للولوج لمضمون النص ومغزاه، وفهم ما هو ظاهر لما يريد الكاتب الحديث عنه. فأول ما يواجه القارئ هو العنوان كبوابة رئيسية تدل على لحظة تنويرية مبدئية لفحوى النص، ويمكن اعتبار العنوان "قلق الوقت" كنص مستقل وقائم بنفسه، يمكن البحث فيه قبل الاطلاع على فحوى النص. فالعنوان يثير فضول القارئ، فيدفعه إلى طرح عدة أسئلة منها: فما معنى القلق؟ وماذا يقصد الكاتب بقلق الوقت؟ وهل يقصد الكاتب القلق كظرف عابر يمر في حياة الإنسان؟ أم هو قلق دائم طول حياة الإنسان؟ وكيف يكون الوقت مقلقا؟ وهل يعتبر الوقت مسؤولا على قلق الإنسان؟...
تعتبر هذه الأسئلة مؤشرات على قوة العنوان، واتساع دلالاته، لما يكتسبه من نفحة فلسفية ووجودية، واجتماعية تمس الذات والنفس وعلاقتهما بالحس والشعور والإدراك. فكل إنسان له معيار خاص به لتقدير قيمة الوقت، فالأول قد يحس بطول الوقت، والثاني يحس بقصره.
فقد تعامل المبدع مع النّص الموازي/العنوان / بذكاء بعدما أخذه من بُعد رؤية مَجازية ومعنوية منتزعة من الواقع، لكنه واقع غير متوقّع بني على بعض الأشياء المادية / الساعة/ الحائط/البطارية/ الغرفة/. أشياء جعلها حية تشارك الإنسان في حياته، مما يفتح آفاقا غير محدودة، أساسُها التّأويل والاسْتنتاج، للتوسع في دلالات العنوان كلما تعددت القراءات.
والسؤال الذي قد يتبادر للذهن: متى يضع المبدع العنوان؟ أقبل النص أم بعده؟ أم بعد الانتهاء من إنتاج النص؟ والأمر ليس هينا ولا في المُتناول دائما، من جهة اختيار العنوان الذي يعتبر في حد ذاته إبداعا خاصا. والكثير من المبدعين يعانون في مجال السّرديات أو الشّعر في إيجاد العنوان المناسب.
جدلية القلق والوقت؟
من خلال التعريف العام للقلق: هو حالة نفسية وفسيولوجية معقدة تتركب من عناصر إدراكية وجسدية وسلوكية نتيجة لتكوّن شعور سلبي يرتبط عادةً بمشاعر عدم الارتياح والخوف والتردد تجاه أحداث متوقعة.
يصحب القلق بعض الآثار الجسدية الداخلية مثل خفقان القلب بسرعة، الشعور بالدوار وضيق في التنفس، والصداع، وبعض الآثار الخارجية مثل شحوب الجلد وتغير لونه، والارتعاش مع الفزع والذعر.
فالعنوان "قلق الوقت" يؤشر على الإنسان الذي يشعر بالقلق خلال كل الوقت الذي يوجد فيه، كأنه يحس أن ليس لديه من الوقت ما يكفي لإنجاز عمل ما. إذ يحس أن الوقت يمر بسرعة. فالوقت والقلق متلازمان كشفرتي مقص، ولكننا لا نعلم أيهما أقطع. يقول الفيلسوف البريطاني ويليام بن: "الوقت هو أكثر ما نحتاج، ولكنه أسوء ما نستخدم"
فلإنسان يقيس الوقت بالثواني والدقائق، والساعات والأيام والسنوات، لكن القلق المتعلق بالوقت مزعج له. والقلق المقلق للإنسان هو السؤال الذي يبقى عالقا في ذهنه، فيسقط في التكهنات المتعلقة بالمستقبل، من قبيل: ماذا يحمل الغد؟ وكيف يكون الغد؟ وما هي الأحداث التي سوف يحملها المستقبل؟ ما أفعله اليوم هل سيكون كافيا؟ ماذا لو حدث شيء سيء؟ ماذا لو فشلت؟ ماذا لو وقع لي حادث ما؟ ماذا لو مات أبي؟ كيف تكون جنازتي؟ هل أموت في بلدي؟ ما هو الوقت المكتوب لي لأعيش؟ ما هي مدة عيشي في الحياة بالضبط؟ متى تكون انتهاء حياتي؟ وعندما يتعلق الأمر بحياتنا أو ربما بنهايتها فإن الأمر يؤدي أحيانًا للشعور بالفزع، ولمَ لا؟ إن الشعور بالوقت الضائع من حياتنا، وإدراكنا بأنه ينحسر دون عودة أبدا، بينما نحن نتسابق ونتشتت وننشغل في أمور الحياة المتعددة، يساهم بكل تأكيد في توليد الشعور بالقلق والخوف وحتى الذعر. تقول ماريا ايدجوورث وهي كاتبة أيرلندية: "إذا اعتنينا نحن باللحظات، سوف تعتني السنوات بنفسها،اعرفْ القيمة الحقيقية للوقت، انتزعْ وانتهزْ واستمتعْ بكل لحظة فيه، بلا كسل ولا تسويف، ولا تُؤجِل إلى الغد ما تستطيع عمله اليوم.
الدلالة الغائبة في النص
كان يبدل للساعة المصلوبة على الحائط/ كان يبدل ماذا؟ فعندما نقرأ الجملة السردية التي كتبت وحدها في السطر، نحس أن هناك نقص في معنى الجملة، فلا تحقق الفهم السريع ، جملة يسكنها الخبر فيه خدعة للقارئ، فعندما يحس بعدم إتمام الخبر ينتبه القارئ بفكره وذهنه، ويتساءل عن ما يُبدل للساعة المصلوبة على الحائط؟ بعدها تأتي كلمة "بطارية" التي تعتبر كفرج وتنوير لتوتر القارئ، وإن كان من العادة أن نبدل بطاريات الساعات لتستمر في إحصاء الوقت الذي مضى، وما هو الوقت المتبقي في اليوم؟ ففرق بين الجملتين في التركيب:/ كان يبدل للساعة المصلوبة على الحائط/ والجملة التالية/ كان يبدل بطارية للساعة المصلوبة على الحائط/الاختلاف الموجود بين الجملتين يكمن في تقديم المفعول به/بطارية/ أوتأخيره. ومن هنا عمد الكاتب لتكسير الصورة في الجملة الأولى كنوع من إحداث قلق للقارئ أثناء استبدال البطارية خوفا من انفلات الوقت داخل شعوره..
التناص الضمني من خلال كلمة "المصلوبة"
للساعة المصلوبة/ فإذا تأملنا كلمة "المصلوبة" لغويا ودلاليا، فإننا نجد الصورة توحي على المحاصرة والتشدد في تكبيلها خوفا من التزحزح والسقوط، لتؤدي عملها كما ينبغي لتتبع مسار الوقت، وتحويله إلى أرقام تؤشر على فوات الوقت، وترقب الوقت الجديد.
أعتقد أن كلمة "المصلوبة" تقودنا إلى البحث عن تناص ضمني موجود في القصة بشكل غير مباشر، ودون أن يكون مصرحا به.
وقد خلق توظيف كلمة "المصلوبة" حالة من المشابهة في الأفكار أو الأنماط اللغوية أو الصور الفنية. فالناقدة جوليا كريستيفا انطلقت من مبدأ "أن النص الأدبي لا يُكتَب من الصفر، وإنما يكون لأي نص أدبي سوابق ينطلق منها ويتشكّل عليها، ليتم التوسع في هذا المفهوم ليصل إلى أن النص المادي لا يمكن أن يكون إلا جزءا من نص عام"

فكلمة "المصلوبة" تحيلنا على العود المكرم الذي صلب عليه السيد المسيح في اعتقاد النصارى، فصورة الساعة المصلوبة لها تشابه في النمط اللغوي ودلالته مع حالة النبي عيسى وهو مصلوب من حيث التثبيت على العود المكرم،تلك الصورة لها مشابهة ومجاورة في تثبيت الساعة على الحائط، وهذا شكل من أشكال التناص الذي يتم على المجاورة، أو ما يطلق عليه تجوار في اللفظ، في الصورة، ذلك من أجل خلق تصوير فني مغمور داخل الكلمة الموظفة في النص.
يقول أحد النقاد" وفيه تكون الجمل اللغوية في النصوص الأدبية في حالة من المجاوَرَة أو الموازاة على أن يحتفظ كل نص ببنيته ووظائفه وهويته الأدبية الخاصة."
مالت من يده.../ ما الذي مال في يده؟ هل الميل كان للساعة أم للبطارية؟ فلم يحالفه الحظ بعدما "مالت من يده". وأعتقد أن الضمير المستتر"هي" في "مالت" يعود على البطارية، ولما مالت يده سقطت البطارية على الأرض، قبل أن يضع البطارية في بطن الساعة لجعلها تحصي الوقت وتسجل ما مضى منه وما تبقى. فحرص البطل على ضبط الوقت ومواكبة تحركاته، وقلقه على فهم الوقت وإدراكه، وعدم تضييعه، فاهتزت مشاعره وقلقت وتوترت، فكانت سرعته في تقييم الوقت وتقويم الساعة ضاع بسبب القلق المفرط، لذلك نجده لم يفلح نظرا لاضطراب يده، واهتزازه، فخانه التركيز على ما يفعل، وما يمسك بيده. كما لو لم تكن صورة البطارية بيده، فلما سقطت البطارية على الأرض "اندلقت" أي لم تثبت في مكانها، واندفعت نحو التشتت، وخرج ما في أحشائها من معدات، فبقت الساعة على حالها، لم تشتغل ولم تتابع عملية إحصاء الوقت./ فاندلق كل ما فيها من وقت/ إنها لحظة توقف جريان الوقت، وبداية لحظة القلق، والبطارية كان لها وقت محدد لتشغيل الساعة، وبمجرد وضع البطارية في المكان المخصص لها، تشتغل الساعة في عد الوقت. فالبطل أحس أنه ضيع وقته ولم يستغله جيدا. فنحن دائمًا نريد المزيد من الوقت، لكن عندما يمر منا سهوا نصبح قلقين، وتلاحقنا فكرة القلق لأننا لم نستغل وقتنا بشكل جيد دائمًا، وتجعلنا نشعر، بالذنب وتسبب المزيد من القلق والقلق. فماذا وقع؟
وهذا ما أشر عليه الكاتب بجملة سردية مختزلة/ لتمتلئ الغرفة بأكوام من الأرق./ لا حدود للقلق في تلك اللحظة التي تساقطت فيها أحشاء البطارية، بل كبر القلق ونما في النفس، وأدى إلى ما يعرف بالإحساس بالذنب، ولوم الذات على تفريطها في الوقت.
القلق الممتد والمستمر
لقد اكتفى الكاتب بالتعبير على القلق المزمن بكلمة "الأرق" وهو عدم النوم الذي يصبح عابرا أو مزمنا، فقلة النوم تؤثر في قدرات الشخص العقلية وحالته العاطفية، فيكون معرّضا بشكل أكبر لفقدان القدرة على الصبر والتحمّل، كما يصاب بتغيرات في المزاج، وقد تتأثّر قدراته في اتخاذ القرارات والإبداع، بالإضافة إلى زيادة احتمالية الإصابة بالقلق النفسي والاكتئاب. لقد أصبح البطل غير مستقر في عيشه، وحياته. وقد تأخذه الوساوس والهواجس إلى متاهات التفكير البعيد على المنطق، ومن تم يصيبه القلق على أبسط حدث وقع له.
بناء وتركيب
حادثة اندلاق البطارية، ما هي إلا صورة تشخيصية تقرب القارئ من سلطة القلق، على المستقبل، والمصير والصحة، وتقدم العمر وفقدان الشهية للحياة. وهنا أصبح سكن البطل" الغرفة" بأشيائها المكونة لها مصدر قلق كبير، كل محتوياتها جالبة للاكتئاب والاضطراب النفسي، والشعور بالخوف والارتعاش، والتهيج في سلوكه وحديثه وتصرفاته. بطل يملأ حياته بأسئلة كثيرة لا يستطيع أن يجيب عليها؟ كيف مر الوقت بسرعة؟ وما هو الوقت المتبقي من العمر؟ ما هي وضعيتي في الآخرة؟ هل يقبل الله توبتي؟ ما هي وضعية أولادي من بعد موتي؟ كل هذه الأسئلة هي مقلقة قد تسبب الأرق المزمن.
هناك محفز لاستبدال البطارية لجعلها أن تستمر في احتساب الوقت، فالساعة لا تستمر في الدوران والتنقل بين الأرقام إلا إذا تجدد شحنها من الخارج بالبطارية، فلكل شيء أجل، له بداية ونهاية، حياة وموت.. والزمن التي قطعته الساعة بمساعدة البطارية هو تنبيه إلى دوران حياة الإنسان وانتقالها مع الأيام نحو نهاية محتومة لا جدال فيها. فحياة الساعة كحياة الإنسان، حياة تتأرجح بين الحركة والخمول، بين الصحة والمرض، بين السلامة والعطب، بين الاستمرار والتوقف، بين الولادة والممات. " فساعة الحائط تقابلها ساعة بيولوجية حيوية تنظم وقت النوم، ووقت الشعور بالجوع، والتغيرات في مستوى الهرمونات ودرجة الحرارة في الجسم، ساعة أرقى هي من صنع الله، تتلقى الإشارات التي تحتاجها من الضوء لمساعدتها للحفاظ على الوقت."
أعود مرة أخرى إلى الجملة السردية التالية/ فاندلق كل ما فيها من وقت/ جملة حمالة لدلالات لا تمس الساعة، بل تمس زمن حياة الإنسان الذي يتوزع بين الأيام التي نعيشها بين السعادة والشقاء، بين السعي إلى ما يرضينا، بين الفشل والنجاح، بين ما حققه الإنسان وما لم يستطع أن يحققه، فهو دائما في قلق مع الوقت قبل أن ينفد منه. وغالبا ما يصيبه السهو والتفريط في استغلال وقته. ولما ينتبه إلى الوقت الذي مضى، والذي سيأتي به الحاضر والغد يقلق على عدم انتهاز الفرصة للاستفادة من وقته. فيصاب بالذعر، وتنهشه أسئلة كثيرة عن قيمة الوقت، والتساؤل أكثر فيما أفنى وقته، فهو لم يدرك جيدا أنه لم يخلق عبثا، بل خلق لهدف، هو استغلال الوقت الذي توفر له، لأداء رسالته الإنسانية التي تهم نفسه وذاته ومجتمعه ودينه قبل أن ينفذ منه الزمن المخصص له، فلا يستطيع أن يشحن ساعته البيولوجية التي اختلت، وكل بطاريات الجسم أصبحت بدون فائدة. كثرة الأمراض، الأرق، اضطراب النوم، والاكتئاب الموسمى، والشيخوخة، وغيرها من الأمراض التي تؤرق الإنسان.
بطارية الساعة تتجدد وتعوض، وبطارية الإنسان من صحة وسلامته من الأمراض، وضياع الوقت في اللهو واللعب بدل الاجتهاد في شحن نفسه بالعمل الصالح وطاعة الله لا يعوض أبدا ..
والسؤال الذي يمكن اعتباره دعامة مؤسسة لحوار ونقاش حول ظهور"الأرق" في تلك اللحظة ،أعتقد أن هذا الأرق هو لوم للنفس وعتاب للضمير، بحيث نبهت هذه الحالة صاحبها إلى أهمية الوقت الذي ـــ ربما ـــ أضاعه وبذره تبذيرا، فالوقت الذي اندلق من الساعة، والتي كانت تضبطه لكي لا يختل دوارنها وانتقالها بين الأرقام دون كلل وتعب، هو وقت لا يبتعد عن وقت الإنسان، لكن الفرق بين الساعة الحائطية، والساعة الحيوية للإنسان قد يطول زمنها أو يقصر وفقا لحياة الإنسان المكتوبة له.
نص قصصي مختلف، وخارج عن المألوف، قصة/ومضة محفزة للقارئ أن يشارك في النقاش حول قلق الإنسان المستمر مع الوقت ما دام على قيد الحياة، والقصة منطلق للبحث عن جدوى الحياة، والقلق المصاحب لها؟ وما هي أفضل الأوقات التي يقضيها الإنسان في حياته؟ وهل الفراغ الروحي يؤدي إلى القلق المستمر؟ كلها أسئلة مدفونة بين لغة النص، فاللغة هي التي تتكلم ،ولكن المبدع ينتقي اللغة القادرة على الإبلاغ وتوصيل الفكرة في قالب لغوي لا يقول كل شيء. ومضة تتلبس بالفلسفة الوجودية التي حيرت الناس، فأدخلتهم في مذاهب شتى.. .
ومضة مشاغبة على مستوى التفرد بالحديث عن الزمن وعلاقته بحياة الإنسان، فقد توسل الكاتب عن طريق التحاذي ليتحدث عن الساعة وتوقفها، كما تتوقف حياة الإنسان في الدنيا بالموت وتبدأ حياة أخرى بعد الممات.
ومضة جمعت بين ما هو متعلق بالإنسان وعمره، وزمن عيشه، من استعداد أو إهمال للاستفادة من الزمن الذي يعيشه قبل فوات الأوان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة " إذَا عايَنَ المُؤْمِنُ المَلائِكَةَ قالُوا: نُرْجِعُكَ إلى الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: إلى دار الهُمُومِ والأحْزَان؟ فَيَقُولُ: بَلْ قَدّمَانِي إلى الله، وأمَّا الكافِرُ فَيُقال: نُرْجِعُكَ؟ فَيَقُولُ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ). ولما جاء في سورة "المؤمنون،آية 99 ــ 100" (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) .
1 ــ كتاب "سيميوطيقا: أبحاث من أجل تحليل دلائلي" الذي تم نشره في عام 1969م.


قراءة نقدية شاملة و متكاملة

شكرا للقدير أ/ الفرحان بوعزة
على عمق القراءة التي تفيدنا في الإلمام بالنصوص أثناء تناولها بالقراءة

و الشكر موصول للأديب القدير أ/ محمد خالد بديوي
مبدع النص الأصلي

تقبلوا مروري و الاحترام






،، أنـــ الأحلام ـــــا ،،

  رد مع اقتباس
/
قديم 31-10-2020, 07:04 AM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
محمد خالد بديوي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / عمون
الاردن

الصورة الرمزية محمد خالد بديوي

افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء العلوي مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك أستاذنا الفاضل السي الفرحان
حضورك مُثر وعميق وقراءتك جادة ومفيدة
هو ذا النقد ليس قراءة وصفية بل تحليل لعمق لحظة المخاض
شكرا لانك تثري الركن بهكذا قراءات تعيد للنقد ما ضاع منه
وتحية للمحتفى به الأستاذ الفاضل السي محمد


الأديبة المكرمة الزهراء

شكرا جزيلا لكم على اهتمامكم الكريم
وعنايتكم النبيلة وحضوركم الدائم

سلمتم وسلمت روحكم الناصعة محلقة
احترامي وتقديري






قبل هذا ما كنت أميز..

لأنك كنت تملأ هذا الفراغ


صار للفراغ حــيــــز ..!!
  رد مع اقتباس
/
قديم 31-10-2020, 07:08 AM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
محمد خالد بديوي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / عمون
الاردن

الصورة الرمزية محمد خالد بديوي

افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قلق الوقت" للمبدع محمد خالد بديوي.

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحلام المصري مشاهدة المشاركة
قراءة نقدية شاملة و متكاملة

شكرا للقدير أ/ الفرحان بوعزة
على عمق القراءة التي تفيدنا في الإلمام بالنصوص أثناء تناولها بالقراءة

و الشكر موصول للأديب القدير أ/ محمد خالد بديوي
مبدع النص الأصلي

تقبلوا مروري و الاحترام


الشكر لكم شاعرتنا الوارفة أحلام المصري
على حضوركم الراقي واهتمامكم الكريم

سلمتم وسلمت روحكم العذبة محلقة
احترامي وتقديري






قبل هذا ما كنت أميز..

لأنك كنت تملأ هذا الفراغ


صار للفراغ حــيــــز ..!!
  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:41 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط